تبدو أطروحة “نهاية التاريخ” للمفكر الأكاديمي الأميركي من أصل ياباني فرانسيس فوكوياما قد عاودت حيويتها الإيديولوجية في خطاب بايدين الأخير وذلك بعد مرور أكثر من عقدين من السنين على هذه النظرية التي تستند على أن العالم قد وصل مع إنتهاء الحرب الباردة إلى نهاية عصر التطور الأيديولوجي في مجال البحث عن نظام سياسي – إجتماعي مثالي يحقق العدالة والتقدم للجنس البشري ويحقق الإعتراف بكرامة الإنسان التواق الى الحرية في ظل أنظمة توتاليتارية (كلانية) لا زالت روسيا الإتحادية تشكل الدولة الأكثر تمسكاً بنظام الأوتوقراطية التي تتمثل بقيادة فلاديمير بوتين الذي يواجه بعناد شديد الديمقراطية الليبرالية، التي إنبثقت من تجربة الغرب المديدة في الحياة السياسية والدستورية والتي إكتسبت صفة العالمية كشكل نهائي نموذجي جديد، يطرحه فوكوياما، إذ لم يتحدث عن الديمقراطية بأبعادها وسماتها التقليدية المعروفة بل أشار الى مصطلح إستحدثه هو “الديمقراطية الليبرالية” وهو بالتالي مصطلح ذو مغزى خاص.
وقد شدد بايدن في خطابه في العاصمة البولندية من عزيمة الأوكرانيين خصوصاً والأوروبيين عموماً لمواجهة المنازعات المستجدة التي تزيد من حجم التوترات التي تشهدها العلاقات الدولية المعاصرة والتي أشارت اليها مضامين خطابه وتبرر إعادة إحتلال أطروحة “نهاية التاريخ” واجهة الأحداث في الصراع الأكثر دموية الذي يدور في الساحة الأوكرانية ويهدد الأمن والسلم الدوليين.
وقد إستلهم الرئيس بايدن خلال خطابه كلمة “لا تخافوا” من الخطاب العلني الأول للبابا البولندي الأول بعد انتخابه في تشرين الأول/أكتوبر من العام 1978 حيث كانت هذه الكلمة مرادفة لتعريف البابا يوحنا بولس الثاني وأشاعت الحركة التغييرية في العالم.
وكان يوحنا بولس حمل رسالته إلى وارسو في أول رحلة له إلى وطنه كبابا في حزيران/يونيو 1979، وتمحورت حول القوة: “قوة الإيمان وقوة المرونة وقوة الشعب”. ويعتقد بايدن أنها ساعدت في إنهاء القمع السوفيتي في أوروبا الوسطى والشرقية قبل ثلاثين( 30 ) عاما، وأتت في مواجهة نظام حكم قاس ووحشي يحكم بقبضة صارمة خلف ستار حديدي، فانتشرت حركة التضامن في بولندا بعد عام على ذلك. وكشف بايدن عن علمه أن “ليخ فاونسا” زعيم حركة التضامن لم يتمكن من الحضور للإستماع الى خطابه البولندي الأخير و”لكننا جميعا في الولايات المتحدة ومختلف أنحاء العالم ممتنون له”. وإستذكر عبارة للفيلسوف كيركغور الذي قال: ” يُرى الإيمان بشكل أفضل في الظلام”. وقد شهدنا لحظات مظلمة بالفعل. وإنهار الإتحاد السوفيتي بعد عشر سنوات، وتحررت بولندا وأوروبا الوسطى والشرقية بعد وقت قصير. ولم يكن أي عنصر من تلك المعركة من أجل الحرية بسيطا أو سهلا. لقد كانت المسيرة طويلة ومؤلمة ولم تدم المعركة لأيام أو شهور، بل لسنوات وعقود وربما يود بايدن إعلام الراي العام الدولي وتهيئته بأن هذا ما ينتظر أوكرانيا من ويلات ونكبات تمتد لسنوات مقبلة لا يمكن التكهن معها ما اذا كانت دائرة الصراع ستبقى محصورة في الساحة الأوكرانية.
لذلك أشار بايدن بأنه يجب ” أن نكون واضحين في هذه المعركة، ولن يتم كسب هذه المعركة بأيام أو شهور، بل ينبغي أن نقوي أنفسنا لخوض المعركة الطويلة المقبلة. حيث ستنبثق من جديد المعركة الكبرى من أجل الحرية: معركة بين الديمقراطية والإستبداد، بين الحرية والقمع، بين نظام قائم على القواعد ونظام تحكمه القوة الغاشمة. ولقد بات القتال في كييف وماريوبول وخاركيف من أحدث المعارك في صراع طويل مثلما كان ذلك في هنغاريا في العام 1956 وبولندا في العامين 1956 و1981 وتشيكوسلوفاكيا في العام 1968. فسحقت الدبابات السوفيتية الانتفاضات الديمقراطية، ولكن المقاومة استمرت حتى العام 1989، وسقطت كافة جدران الهيمنة السوفيتية. فوقعت. وساد الشعب. ولكن لا يمكن أن تنتهي المعركة من أجل الديمقراطية ولم تنته بنهاية الحرب الباردة. فانتعشت قوى الإستبداد في مختلف أنحاء العالم على مدى السنوات الثلاثين الماضية، وهي تتميز بسمات مألوفة، بما فيها إزدراء سيادة القانون وإزدراء الحرية الديمقراطية وإزدراء الحقيقة نفسها.
Related Posts