كان لافتاً في الشّكل والمضمون البيان الذي صدر عن السّفارة السّورية في بيروت، يوم أمس، والذي نفت فيه المزاعم حول تدخلها سياسياً وأمنياً في الإنتخابات النيابيّة المقرّرة في 15 أيّار المقبل، مستغربة “مضي بعض الجهات في نهجها القائم على الأوهام والرهانات الخاطئة، واستمرارها في محاولات قلب الحقائق واختلاق الأعداء، كمن اعتاد التغطية على انكشافه السياسي والشعبي بالبروباغندا والحملات المغرضة”.
السّفارة التي شدّدت في بيانها على “العلاقات الأخوية التي لا يمكن فصلها بين البلدين الشقيقين”، كان مراقبون كثر ينتظرون أن يصدر بيان مماثل عن سفارات عربية وأجنبية في بيروت تحولت مقارها في الآونة الأخيرة إلى ملتقى لشخصيات سياسية، تعقد فيها الإجتماعات وتتلقى فيها دعماً وتوجيهات، وتحظى زيارات مسؤولين لبنانيين لها بتغطيات إعلامية واسعة، بينما لم يُسجّل أيّ شيء من ذلك القبيل في السّفارة السّورية في بيروت.
فمنذ أشهر وسفارات عربية وأجنبية عدّة تشهد مقارها بشكل دائم إجتماعات ولقاءات معلنة لشخصيات لبنانية، أغلبها شخصيات مرشّحة للإنتخابات النيابية، ويقوم السفراء أو مسؤولين في هذه السّفارات بزيارات إلى شخصيات معنية في طول البلاد وعرضها، من غير أن يبدر عن قوى سياسية واسعة أي اعتراض على هذه الزيارات التي تشكّل تدخّلاً فاضحاً وواضحاً بالشّؤون الداخلية، وتحديداً الإنتخابات النيابية.
ودفع تدفق وتدافع شخصيات سياسية لبنانية عديدة إلى سفارات محدّدة إلى تشبيه البعض ما يحصل بمشهد هؤلاء وهم يتوجّهون إلى مقرّ المخابرات السّورية في عنجر، خلال أيّام الوجود السّوري في لبنان، أيّ أنّ الزوّار لم يتغيّروا، بل وجهة الزيارة هي التي تغيّرت.
في ذلك الحين كان أغلب الطامعين بالفوز بمقعد نيابي أو دخول جنّة الحكم والحكومة، أو من كانوا يطمعون بالفوز بمنصب معين أو خدمة ما، يتوجّهون إلى عنجر، وها هم اليوم يتوجّهون إلى هذه السّفارة أو تلك من غير أن يرفّ لهم جفن بعدما نقلوا البارودة من كتف إلى كتف أخرى.
في هذا المجال يُجدر التوقّف عند نقطتين: الأولى أنّ الذين يتباكون على السيادة وتدخّل السّفارة السّورية في الإنتخابات النيابية لم يفعلوا الشيء نفسه عندما تتدخل سفارات أخرى بشكل أكبر، لأنّ السّيادة لا تتجزأ، ولا يمكن إعتبار هذا التدخل مرفوضاً وذاك التدخّل مقبولاً، ولا الكيل في هذا المجال بمكيالين، ولا تبرير أيّ تدخل بمصالح خاصّة وآنية وضيّقة.
أمّا النقطة الثانية فهي أنّ السّفارة السّورية لو أرادت التدخّل فعلاً في الإنتخابات، لفرضت مرشّحين محسوبين عليها قلباً وقالباً في اللوائح الإنتخابية في مختلف الدوائر، مثل الأمين العام الجديد لحزب البعث علي حجاري في دائرة بعلبك ـ الهرمل أو مرشح الحزب إيّاه في عكّار، أو غيرهما.
غير أنّ إتهامات البعض لسوريا بالتدخل بالإنتخابات النيابية، وهي للمفارقة كانت تتدخل إلى جانبهم أيّام وجودها العسكري في لبنان، تعود إلى أنّهم يستشعرون خطر خسارتهم الإنتخابات المقبلة، فلجأوا إلى خطاب تحريضي بات واضحاً أنّه لم يعد مجدياً، وأنّه يُعبّر عن أزمة لدى هؤلاء، سياسياً وشعبياً.
Related Posts