عون يتبرأ من ″تركة″ التسوية الثقيلة.. ويتنصل من مسؤولية الانهيار!… غسان ريفي

بدا رئيس الجمهورية ميشال عون أشبه بـ ″ماكينة إنتخابية″ تعمل لصالح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لجهة الانقضاض على خصومه وسوق الاتهامات بحقهم من جهة، وإظهار فضله ومحاسنه وإنجازاته والتحدث عن صلابته وإرادته في بناء الدولة من جهة ثانية.

خمس سنوات وثلاثة أشهر أمضاها رئيس الجمهورية في عهده الذي نتج عن توافق بين التيار البرتقالي والقوات اللبنانية والرئيس سعد الحريري، على قاعدة إيصاله الى قصر بعبدا، وفتح الطريق أمام الحريري للبقاء ست سنوات في السراي الحكومي، وتقاسم الوزراء المسيحيين وكذلك التعيينات الادارية والمكاسب السياسية بين جبران باسيل وسمير جعجع، بما في ذلك التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

لا شك في أن هذه التسوية التي رفضتها قيادات سياسية وازنة أحجمت عن المشاركة فيها وعن إنتخاب الرئيس عون، ساهمت في تسريع الانهيار الذي بدأ “يكشر عن أنيابه” في أعقاب ثورة 17 تشرين الأول 2019، حيث سارع المعنيون بها الى نفض أيديهم من الانهيار الذي تسببوا به، وبدأ كل منهم برمي المسؤوليات وسوق الاتهامات بحق بعضهم البعض.

ربما من حق الرئيس عون أن يتموضع سياسيا في الأشهر الأخيرة من عهده، خصوصا لجهة تأكيد التحالف مع حزب الله الذي ما يزال يشكل الرافعة للعهد وللتيار الوطني الحر الذي بات مستفردا من دون أي حليف، لكن ليس من حقه أن يتنصل من مسؤولياته كرئيس للجمهورية، خصوصا أنه كان راغبا بالتعاون السياسي القائم بين الحريري وباسيل وجعجع قبل أن يقع الخلاف بينهم على المكاسب والحصص، ويسقط تفاهم معراب بعدما تعامل معه باسيل وفق قاعدة: “ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم”، وتسقط التسوية الرئاسية باستقالة الرئيس الحريري إستجابة لجمهور الثورة.

فجأة، بات رئيس الجمهورية “كالطير يرقص مذبوحا من الألم” وقد طفح الكيل لديه مما يحصل، وأنه لم يعد لديه فترة سماح، ولن يقبل بأن يكون توزيع الخسائر على حساب المودعين، في حين كان طيلة الفترة الماضية شاهدا على الانهيار التدريجي ولم يحرّك ساكنا خصوصا قبل إنطلاق الثورة حيث كان التوافق على تقاسم المغانم قائما، إذ كان يفترض برئيس البلاد التدخل لمنع حصول الانهيار والاستجابة للتقارير المالية التي كانت تتحدث عن المخاطر التي تتهدد الاقتصاد اللبناني برمته، بينما كانت الأموال التي بلغت نحو 14 مليار دولار تُهدر على دعم غير مجد من أموال المودعين، و”إن كان عون يدري بذلك فتلك مصيبة وإن كان لا يدري فالمصيبة أعظم”.

بدا واضحا أن رئيس الجمهورية قرر فتح المعارك السياسية مع خصوم تياره البرتقالي، حيث إتهم جنبلاط بالمزاجية، وجعجع بالتحريض والكراهية ضد الآخر، كما إتهم رياض سلامة بالمناورة وأعطاه إسبوعا واحدا للتجاوب مع شركة التدقيق الجنائي، في حين أشاد بباسيل وبصلابته وبتحمله للاتهامات، لافتا الى أنه تعرض للعقوبات كي لا يتسبب بنزاع أهلي.

ويتبين من كلام رئيس الجمهورية أنه يسعى الى تعويم التيار الوطني الحر عشية الانتخابات النيابية، فضلا عن تقديم هدية إنتخابية للجمهور البرتقالي تتمثل بالتدقيق الجنائي، وبإدعاء حماية المودعين، وبالتخلص من رياض سلامة، حيث يبدو التناغم قائما بين “عون الرئيس” و”عون القاضية” على محاصرته من كل الاتجاهات، الأمر الذي قد ينعكس سلبا وخطورة على الوضع المالي، خصوصا أن سلامة يعمل حاليا على تخفيض سعر صرف الدولار وهو مشارك أساسي في التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ويدرك الرئيس عون أن لا إمكانية لازاحته في الوقت الراهن لعدم توفر التوافق السياسي على ذلك، فلماذا الامعان في تشويه صورته وإستخدامه كمادة سياسية ـ إنتخابية؟.. ولمصلحة من الاستمرار بهذا السلوك طالما أنه لن يؤدي الى نتيجة؟.

واللافت أيضا، أن باسيل الذي كان طيلة الفترة الماضية حاكما للجمهورية ومتحكما بكل المفاصل المتعلقة بالدولة سارع الى نفض يده من أي مسؤولية والى إعتماد خطاب الثورة، وذلك على غرار جعجع الذي وكأنه لم يكن شريكا أساسيا في هذه التسوية وفي مغانمها، حيث يرفع لواء المحاسبة، فيما رئيس الجمهورية الذي كان راعيا لكل ذلك، يحاول اليوم رمي كل التداعيات الكارثية للتسوية التي جاءت به رئيسا، على حكومة “معا للانقاذ” محاولا بذلك تحميلها وزر ما إقترفته الأيادي التي نسجتها وإستفادت منها الى أن أوصلت البلد الى الانهيار الكامل.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal