ما إنْ أعلن الرئيس سعد الحريري في 24 كانون الثاني الجاري، في خطوة مفاجئة وصادمة، “تعليق” عمله في الحياة السّياسية اللبنانية، وعدم ترشّحه للإنتخابات النّيابية المقبلة، لا هو شخصياً ولا أيّ مرشّح من العائلة أو تيّار المستقبل أو باسمه، حتى بدأت بعض الأصوات تتحدث عن مقاطعة محتملة لأغلبية الطائفة السنّية للانتخابات، وأنّ شريحة كبيرة من النّاخبين السنّة سوف يمتنعون عن الذهاب إلى صناديق الإقتراع والإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات المقرّرة في 15 أيّار المقبل.
هذه الدعوات إلى مقاطعة الإنتخابات النّيابية من قبل تيّار المستقبل، شبّهها كثيرون بمقاطعة المسيحيين للإنتخابات النّيابية التي جرت في عام 1992، وهي أول إنتخابات تجري بعد انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، عندما رفض أغلبية المسيحيين أن يشاركوا في تلك الإنتخابات بسبب غياب أبرز ممثلين لهم عن المشهد الإنتخابي: ميشال عون الذي نفي حينها إلى باريس، وسمير جعجع الذي أُودع السّجن لاتهامه بالتورّط في تفجير كنيسة سيدة النّجاة في جونية.
في تلك الإنتخابات التي فاز فيها مرشحون مسيحيون بعشرات الأصوات فقط بمقاعد نيابية في دوائرهم الإنتخابية بسبب المقاطعة، كان تيّار المردة الطرف المسيحي الأبرز الذي غطّى ميثاقياً ذلك الإستحقاق بمشاركته الواسعة فيها، إضافة إلى شخصيات هامّة ووازنة في الوسط المسيحي، ما عوّض بشكل نسبي غياب الكتلتين الأكبر وعزوفهما عن المشاركة في عملية التصويت.
عزوف المسيحيين المقاطعين حينها تسبّب بغيابهم عن المشاركة في صنع القرار في مؤسّسات الدولة، وعدم إستفادتهم من توظيفات ومشاريع، ما جعل البعض يعتبر أنّ ما قاموا به من مقاطعة حينها كان “خطيئة” دفعوا ثمنها سياسياً في السّنوات التالية.
ذلك الدرس الذي تعلّمه المسيحيون لاحقاً، يبدو أنّ أغلبية واضحة داخل الطّائفة السنّية موالية لتيّار المستقبل ترفض أخذ العبر منه، وارتكاب “خطيئة” سبق لآخرين إرتكابها، خرجوا بعدها يجرّون أذيال الخيبة، إلى أن أسهمت ظروف وتطوّرات في إعادتهم إلى قلب الدولة والسّلطة بعد نحو عقد ونصف من الزمن.
غير أنّ ما حصل داخل البيئة المسيحية قبل 3 عقود لا يشبه ما يحصل اليوم داخل الطّائفة السنّية، لأسباب عدّة أبرزها: أنّ الحريري غادر الحياة السّياسية بقرار خارجي وليس داخلياً، وأنّ تيّار المستقبل ليس موحداً حول الموقف من مقاطعة الإنتخابات نظراً لوجود نوّاب ومرشحين زرق لن يلتزموا قرار المقاطعة، وأنّ هناك قوى سياسية على السّاحة السنّية تملك حضوراً تاريخياً واسعاً يمكنها أن تغطّي بحدّ كبير غياب الحريري القسري، وصولاً إلى أنّ الأخ الأكبر للحريري، بهاء الحريري، أعلن عودته إلى لبنان لمتابعة مسيرة والده الرئيس الراحل رفيق الحريري، ما يعني ضمناً مشاركته في الإنتخابات النيابية المقبلة، وهي مشاركة ستستقطب بلا شكّ فئات واسعة من نوّاب ومرشحي وكوادر وقواعد تيّار المستقبل.
لا يعني ذلك أن المرحلة الحالية التي تمرّ بها الطّائفة السنّية، كما البلد، طبيعية، لكنّ أيّ سعي للخروج من هذه الازمات لا يكون إلا عبر إجراء إنتخابات نيابية جديدة أو تأجيل إجراء هذه الإنتخابات، إلى حين ترتيب الكثير من الأوراق داخل الطائفة السنّية ولبنان والمنطقة.
Related Posts