عاد الحديث عن اللامركزية الإدارية الى الواجهة، بعدما طرحه رئيس الجمهورية ميشال عون كأحد بنود الحوار الذي كان يزمع عقده في بعبدا. لا سيما ان الموضوع عينه لطالما كان حديث الساعة وان بعيداً عن الاعلام، فعلى ماذا يقوم مبدأ اللامركزية الإدارية؟ ولماذا لم يتم إقرار العمل به حتى الساعة في لبنان علماً ان مقدمة الدستور ووثيقة الوفاق الوطني (الطائف) قد لحظتا هذا الامر بالاضافة الى مصلحة المواطنين الانمائية والمادية؟.
قانونياً، تعرّف اللامركزية على انها نقل سلطة اتخاذ القرار من الحكومة المركزية الى فروعها المحلية. وهي ظاهرة سياسية تعتمد في الأساس على تفويض سلطة اتخاذ القرار الى مستويات مختلفة تتوزع على مسؤولين اداريين ادنى رتبة من الحكومة المركزية التي تتخذ القرار في مركز واحد. والأدلة كثيرة التي تشير الى ان نتائج استخدام اللامركزية تختلف من دولة لاخرى ومن منطقة لاخرى بحيث تحفظ لكل منطقة عاداتها وتقاليدها ضمن النظام اللامركزي. وقد انه يصعب رسم خط فاصل بين المركزية التي يفهم انها التمركز الشديد لاتخاذ القرار من نقطة واحدة وبين اللامركزية التي تعتمد على انتشار رقعة واسعة لاتخاذ القرار وتوزيعه على عدة نقاط عن طريق نقل وتفويض سلطة التخطيط واتخاذ القرار وإدارة الوظائف العامة وقطاعاتها في مختلف اشكال اللامركزية.
هذا بوجه عام اما الحديث عن لبنان، فقد نصت وثيقة الوفاق الوطني على إصلاحات في الجوانب السياسية، والطائفية السياسية والإدارية، وهي تشمل التأكيد على ان الدولة اللبنانية هي سلطة واحدة موحدة مركزية قوية لكنها اضافت وجوب توسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل جميع ادارت الدولة في المناطق الإدارية على اعلى مستوى ممكن تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية حاجاتهم المحلية.
ومن هذا المنظار، شددت الوثيقة على وجوب إعادة النظر في التقسيم الإداري بما يؤمن الانصهار الوطني وبهدف اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى “القضاء وما دون” عن طريق انتخاب مجلس لكل قضاء يرأسه القائمقام تأميناً للمشاركة المحلية من اجل العمل على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصاديا واجتماعيا وتعزيز موارد البلديات واتحادات البلديات بالامكانيات المالية اللازمة.
وفي سياق متصل، اصدر مجلس الوزراء بتاريخ 7/11/2021، قرارا يحمل الرقم 166/2012 شكّل بموجبه لجنة لإعداد مشروع قانون لتطبيق اللامركزية الادارية.
وقد تمكنت اللجنة من التوصل الى مشروع قانون للامركزية الإدارية تتلخص بنوده في النقاط التالية:
1ـ الإجماع اللبناني حول اللامركزية الموسعة انطلاقاً من اتفاق الطائف. وإذا كان المشروع يعطي فعلاً أوسع الصلاحيات للمناطق، فهو يبقيها ضمن الدولة الواحدة الموحدة بعيداً من أي منحى تقسيمي.
2ـ اعتماد اللامركزية فعلاً لا قولاً من حيث استحداث مجالس منتخبة بالكامل وإعطاؤها ليس فقط الاستقلالين الإداري والمالي وإنما أيضاً التمويل والواردات اللازمة (وهي العصب) ويحصر الرقابة إلى أقصى حد ويجعلها لاحقة لا مسبقة.
3ـ الابقاء على البلديات كوحدات لامركزية أساسية ولا يمس بصلاحياتها أو بأموالها ويعتمد القضاء كمساحة لامركزية، نظراً الى شرعيته التاريخية والى تأمينه الحاجات التنموية.
4ـ استحداث صندوق لامركزي يحل محل الصندوق البلدي المستقل ويكون أعضاء مجلسه منتخبين ويعمل وفقاً لقواعد منهجية ولمعايير توزيع تعتمد مؤشرات (indices) موضوعية تراعي ضرورة الإنماء المتوازن وتحفيز النمو المحلي.
والجدير ذكره، فإنّ تطبيق اللامركزية الإدارية كفيل بتخفيف أعباء تنمية الأطراف والبلدات الريفية عن كاهل الإدارة المركزية، اذ يصبح الجزء الأكبر من هذه المسؤولية ملقىً على عاتق السلطات المحلية. اضف الى ذلك الانعكاسات الإيجابية على مختلف المستويات الإدارية واتخاذ افضل القرارات. ويبقى العامل الأهم الداعي الى تطبيق اللامركزية الإدارية هو تبسيط الإجراءات الإدارية ما يؤدي الى تخفيف عبء التنقلات عن كاهل المواطنين وسرعة وسهولة اجراء معاملاتهم.
اذاً، في وقت تعتبر اللامركزية الادارية من أهمّ مبادئ التنظيم، وفيما يعاني اللبنانيون الامرّين جراء مركزية مختلف الادارات الاساسية في العاصمة بيروت لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي الراهن، يبقى مستغرباً وغير مبرّر عدم اقرار هذا القانون. فهل تبقى الحال على ما هي عليه ام ستبصر اللامركزية النور قريباً؟
ولماذا لم يتم التنفيذ منذ سنوات ام ان كل فريق يخاف على صلاحياته الوزارية ولو انهك الناس وحمّلها نفقات اضافية واعباء كبيرة لا قدرة للمواطن اليوم على تحملها.. ام ان المواطن ليس في البال؟
Related Posts