في أقل من 24 ساعة إنخفض سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة اللبنانية قرابة 10 آلاف ليرة دفعة واحدة، محققاً قفزة هائلة وغير مسبوقة، إنّما إلى الوراء، قبل أن يعود للإرتفاع مساء يوم أمس أكثر من ألف ليرة، محدثاً إرباكاً في السّوق المالية والأسواق التجارية وبين المواطنين، وسط تساؤلات بقيت الأجوبة عليها غامضة حول أسباب هذا التراجع في سعر صرف الدولار أمام العملة الوطنية، وهل إنّ التراجع الحاصل مؤقّت أم دائم، وماذا سوف تشهد الأيّام المقبلة من تقلبات وتطوّرات في هذا المجال؟
عادة ووفق قواعد علم الإقتصاد والأسواق المالية، فإنّ سعر صرف أيّ عملة في العالم يرتفع أو ينخفض وفق قوة أو ضعف إقتصاد البلد الذي تعود إليه هذه العملة، وعليه فإنّ إقتصادات البلاد المتطورة تكون عملتها قوية، بينما تكون عملة الدول النامية والضعيفة متوسطة القوة أو متدنية، وتتأثر هذه العملات بالسّوق المحلية والأسواق العالمية للحكم عليها، سلباً أم إيجاباً.
فالدول ذات الإقتصادات القوية، وقطاعاتها الإنتاجية كالصناعة والزّراعة متينة، وتقوم بتصدير منتجات أكثر ممّا تستورد، ولديها إحتياط كبير من العملات الصعبة أو الذهب، والميزان التجاري يصبّ لمصلحتها، ونسب البطالة فيها متدنية، كما تتمتع ببنى تحتية جيدة في مجالات المواصلات والإتصالات والطاقة، وذات جودة في مجالات التعليم والصحّة والسيّاحة وغيرها، فإن عملاتها قوية، عكس الدول الضعيفة التي لا تتمتع بأيّ من المواصفات السّابقة، لا بل وتعاني من خلل فيها، لذلك فإنّ عملاتها تكون ضعيفة ومحدودة القبول والتّداول.
بناء على هذه المسلّمات والبديهيات الإقتصادية، فإنّ إنهيار الليرة اللبنانية كان متوقّعاً قبل سنوات عديدة من حصوله، لأنّ لبنان لا يتمتع بأيّ من المواصفات السّابقة للبلدان القوية إقتصادياً ونقدياً، عدا عن الفساد الواسع والمستشري فيه الذي يعوق تحقيق أيّ نمو وإصلاح وتطوّر.
لكن غير المتوقّع، منطقياً، هو ما حصل في السّاعات الـ24 الماضية، فلبنان ما يزال يعاني من تبعات أزماته المتشعبة، ولم يطرأ أيّ تطوّر إيجابي على أدائه الإقتصادي، لا شكلاً ولا مضموناً، بل على العكس فالأزمة الإقتصادية فيه تعمّقت، ومعاناة المواطنين أصبحت أكبر، والقطاعات الإقتصادية كافّة تتراجع وتقف على حافة الإنهيار، كما أنّ نسب البطالة وهجرة الكفاءات منه إزدادت، وغابت الرساميل أو هربت، وعانى قطاع المصارف من صعوبات عدّة أثّرت سلباً على أدائه وسمعته لن يعوضها بسهولة في المستقبل القريب، ما طرح أسئلة عدّة، أبرزها: إذا كان هذا هو الواقع، على أيّ أساس إذاً تحسّن سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار والعملات الأجنبية في غضون 24 ساعة؟
ما شهده لبنان في السّاعات الماضية يثبت صحّة مقولة أنّ كلّ شيىء فيه سياسي، وأنّ السّياسة تؤثّر في كلّ أمر في البلد، من الأمن إلى الإقتصاد، وأنّه عندما يتفق السّياسيون ينسحب ذلك على جميع السّاحات والقطاعات، والعكس صحيح. ويبدو بأنّ الإنفراج في الميدان السّياسي إنعكس أيجاباً على سعر صرف الليرة، من غير أن يؤدّي ذلك إلى استقرار دائم، في بلد اعتاد أن يكون فيه كلّ شيىء مؤقّت وهشّ.
Related Posts