بات جلياً لدى مختلف المراقبين في لبنان وخارجه أن الفساد لدى اللبنانيين قد تحوّل إلى ″نظام حياة″، وهي حالة خارجة عن المألوف العالمي وقليلة جداً هي الدول التي إنحدرت إلى هذا الدَرْك من المستويات الإجتماعية التي تصبح منبوذة، لإنها دون الأسس التي وضعها النظام العالمي كنماذج لرقي الشعوب عبر ثقتها بالقوانين وتنفيذها. لأنه في حال عدم تطبيق القوانين لا يمكن محاسبة الفاسدين ولصوص المال العام الذين باتوا متجذرين بالمجتمع.
هذا النموذج من المجتمعات الفاقدة الأهلية بالرقي، وصفها الإقتصادي السويدي غانر مردال بـ”الدولة الرخوة” في كتابه “الدراما الآسيوية.. بحث في فقر الأمم” والذي نشر عام 1968 ونال على إثره جائزة نوبل في الإقتصاد عام 1974 حيث وصف تلك الحالة بالتالي: “الدولة الرخوة” هي التي تضع القوانين ولا تطبقها، ليس فقط لما فيها من ثغرات، ولكن لأن لا أحد يحترم القانون. الكبار لا يبالون به، لأن لديهم من المال والسلطة ما يكفي ليحميهم منه، والصغار يتلقون الرشاوي لغض البصر عنه، ورخاوة الدولة تشجع على الفساد، والفساد ينتشر في السلطتين التنفيذية والتشريعية، حتى يصل الى القضاء والجامعات، ويصبح الفساد في ظل الدولة الرخوة “إسلوب حياة”، وبذلك تتراجع مكانة وهيبة الدولة داخليا وخارجيا”.
أليس هذا ما هو حاصلٌ في لبنان حيث توجد مؤسسات حكومية أكثر من اللازم، وبدون دور واضح الى درجة تتداخل وتتشابه معها صلاحيات المؤسسات وهدفها خلق مناصب المحسوبين فقط؟ حيث إستشرى الفساد بكافة أشكاله، وتم نهب المال العام، والتهرب الضريبي؟ وعندها فقدت الدولة سيطرتها على جزء كبير من قرارها الداخلي (وباتت دولة تعيش عالة على الخارج).
الكاتب الروسي الشهير انطون تشيخوف وصف حال المجتمعات الفاشلة فكتب: “ثمة ألف أحمق مقابل كل عقل راجح، وألف كلمة خرقاء إزاء كل كلمة واعية، تظل الغالبية بلهاء على الدوام، ولها الغلبة دائماً على العاقل”. فإذا رأيت الموضوعات التافهة تعلو في أحد المجتمعات على الكلام الواعي، ويتصدر التافهون المشهد، فأنت تتحدث عن مجتمع فاشل جدًا”!
من المؤسف وبحسرة، أننا في لبنان اصبحنا دولة فاشلة بكل المعايير، والبطولة ليس بما كان عليه آباؤنا وأجدادنا منذ الآف السنين. بل بما نستطيع أن نفعله لنستعيد مكانتنا الراقية على خريطة العالم الذي لامس بالأمس القريب الشمس!..
Related Posts