يبدو أن الجولة التي قام بها البطريرك الماروني بشارة الراعي على الرؤساء الثلاثة أمس الأول قد بدأت نتائجها الايجابية بالظهور من خلال ″التسويات″ التي باتت السمة الأساسية للأزمات اللبنانية سياسية كانت أم أمنية أم قضائية، خصوصا بعدما بلغ الاحتقان مداه وكاد أن يصل على خلفية تفجير مرفأ بيروت الى حرب أهلية أطلت برأسها من أحداث الطيونة.
لا شك في أن البطريرك الراعي ما كان ليخرج من بكركي في زيارة ثلاثية الى المقرات الرئاسية لو لم يستشعر خطرا كبيرا على السلم الأهلي، وعلى المجتمع المسيحي في ظل حرب إلغاء مستترة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية التي أُربك رئيسها سمير جعجع بالاستدعاء القضائي للاستماع، ما إستدعى نفيرا عاما قواتيا بهدف ممارسة الضغط في عدة إتجاهات لا سيما على البطريرك الماروني.
بات واضحا أن المخارج التي قدمها البطريرك الراعي قد وجدت صداها لدى الرؤساء خصوصا لجهة فصل الملف الحكومي عن الملفات القضائية والأمنية بما يؤمن عودة جلسات مجلس الوزراء حيث كشفت معلومات أن المباحثات بشأن إجتماع الحكومة وضعت على نار حامية، وهي قد تثمر مع عودة الرئيس نجيب ميقاتي من السفر.
يضاف الى ذلك، مراعاة النصوص القانونية والقواعد الدستورية في ملف التحقيق العدلي في إنفجار مرفأ بيروت والسير بالصيغة التي كان أطلقها الرئيس بري بمحاكمة الرؤساء والوزراء أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي يضم عشرة من كبار القضاة وعشرة نواب، وكذلك إيجاد المخارج القانونية لاستدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لما يترتب على هذا الأمر من مضاعفات قد تستثمر في المكان الخطأ.
بالأمس وعلى وقع التحرك القواتي الذي شرب بعض أنصاره “حليب السباع” على الهواء مباشرة الأمر الذي أحرج البطريرك الراعي الذي كان يصر في لقاءاته على التهدئة الكاملة، إستفاد جعجع من الدروع البشرية التي زنرت معراب ولم يحضر الى مديرية المخابرات التي إتصلت بدورها بالقاضي فادي عقيقي لاستيضاحه حول الخطوة المطلوبة منها، فطلب منها ختم التحقيق من دون أن يطلب إتخاذ أي خطوة أخرى، ما يشير الى إمكانية أن يكون أمر إستدعاء جعجع قد إنتهى عند هذا الحد.
في المقابل عطل وكلاء الدفاع عن الرئيس حسان دياب جلسة مثوله امام المحقق العدلي طارق البيطار بتقديم دعوى الى الهيئة العامة لمحكمة التمييز تقضي بمخاصمة للدولة اللبنانية على قرارات البيطار الذي لم يعد قادرا على القيام بأي عمل تجاه دياب إلا بعد أن تقوم المحكمة بالبت بأمر الدعوى، في حين تستمر محاولات كف يد القاضي البيطار من قبل الوزراء والنواب المدعى عليهم في هذا الملف حيث تم كف يده ثلاث مرات إلا أن محكمة الاستئناف كانت في كل مرة تنقض القرار وتعيد البيطار الى ممارسة عمله المهدد بالتوقف للمرة الرابعة.
لا شك في أن وصول البلاد الى شفير الحرب الأهلية، وتعطيل المؤسسات الدستورية لا سيما مجلس الوزراء، وتوالد الأزمات الاجتماعية والمعيشية التي ترخي بظلالها القاتمة على اللبنانيين كل ذلك دفع المعنيين الى الدخول في لعبة التوازن، لجهة معالجة ملف إستدعاء جعجع للاستماع إليه مقابل تبديل نمط عمل المحقق العدلي في ملف تفجير المرفأ، بما يجعل الحل وفق القاعدة اللبنانية التاريخية، علما وبحسب متابعين فإن الأمور تتجه حتما نحو نزع صلاحيات المحقق العدلي في التحقيق مع الرؤساء والوزراء وحصرها بالمجلس الأعلى، ما يضع القاضي بيطار أمام خياري التنحي أو الاستمرار مع المتهمين دون رتبة الرؤساء والوزراء.
Related Posts