بات واضحا أن كل التوترات الأمنية والسياسية التي أرخت بظلالها القاتمة على الساحة اللبنانية، لن تُسقط حكومة ″معا للانقاذ″ التي تشكل اليوم ضرورة أكثر من أي وقت مضى لاستيعاب الصدمات والمضي في مسيرة المعالجات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وإن كان ملف التحقيق في إنفجار مرفأ بيروت معطوفا على ملف أحداث الطيونة قد تقدما على تلك المعالجات وأديا الى تعليق جلسة للحكومة وتأجيل أخرى، إلا أن الرئيس ميقاتي بادر الى عقد جلسات منفردة للوزراء لمتابعة الملفات كل على حده، ما يشير الى إصرار رئيس الحكومة على إنجاز المهمة الانقاذية التي جاء من أجلها.
لا مصلحة لأحد بتفجير الحكومة من الداخل، أو بتطييرها، خصوصا أن البلد لا يحتمل الدخول في متاهة تصريف الأعمال أو الفراغ القاتل الذي ضرب كل بنية الدولة على مدار 13 شهرا، إضافة الى الانعكاسات الكارثية لذلك وخصوصا على الصعيدين المعيشي والأمني اللذين قد يأخذان بالتدهور الى ما لا يحمد عقباه.
لذلك، فإن الجهود اليوم تنصب على فصل العمل الحكومي عن الملفات الساخنة قضائيا وأمنيا وسياسيا، وعدم توريط مجلس الوزراء بأمور خلافية قد تعرقل مساعيه نحو وقف الانهيار، علما أن الرئيس ميقاتي كان أوحى بأنه لن يقف مكتوف الأيدي في حال أمعنت التيارات السياسية في عرقلة عمل حكومته وبأنه لن يسكت عن محاولات تفجير البلد بعدما ساهم تشكيل حكومته في وقف الانحدار نحو الارتطام الكبير.
تشير المعطيات الى سعي حثيث للوصول الى حل سياسي بمخرج قضائي لملف قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار في ملف المرفأ، حيث يدرس المعنيون كيفية وضع ضوابط للبيطار من خلال مجلس القضاء الأعلى، على أن يتبلور ذلك في إجتماع سيعقد يوم الثلاثاء المقبل، وذلك تلبية لتوجهات الرئيس ميقاتي الذي يصر على ضرورة أن يحل القضاء ملفاته بمعزل عن السلطة السياسية تنفيذا لمبدأ فصل السلطات.
أما ملف أحداث الطيونة فهو في عهدة مخابرات الجيش التي سارعت الى الامساك بكل الخيوط سواء عبر الصور وكاميرات المراقبة أو من خلال توقيف الأشخاص الذين يخضعون لتحقيق دقيق، على أن يحال الملف بعد ذلك الى المحكمة العسكرية، أو ربما تحرص الحكومة على إحالته الى المجلس العدلي.
في غضون ذلك، بدأت تتبلور بعض الاصطفافات السياسية التي ساهمت بها أحداث الطيونة أو قد تكون سرّعت في وتيرتها، خصوصا بعد الخطاب المفصلي لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في ذكرى 13 تشرين وإعلان إنحيازه الكامل لموقف الثنائي الشيعي، بالرغم من إشارته الى الخلاف مع حزب الله والى رفضه ممارسات حركة أمل.
هذا الواقع، يؤشر الى تكوين جبهة سياسية عريضة تتلافى كثيرا من الخلافات بين الفرقاء، حيث بات التيار الوطني الحر وتيار المردة يقفان على يمين الثنائي الشيعي فيما يقف تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي على يساره، وذلك في حلف واضح ضد القوات اللبنانية المتهمة بأحداث الطيونة، لا سيما بعدما إعتبرت بعض المصادر المواكبة بأن “سمير جعجع بالغ بإظهار بطولته في هذه الأحداث سواء بالحديث عن تصدي “شباب الحي” للمتظاهرين الذين دخلوا عليهم وهي مصطلحات كانت القوات تعتمدها خلال الحرب، أو بإعتبار ما جرى بـ ميني 7 أيار مسيحي، وذلك بهدف إستمالة الشارع المسيحي بكلام تحريضي لا يخدم السلم الأهلي، وتجديد أوراق إعتماده لدى بعض الخارج.
تتجه الأنظار اليوم الى الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي من المفترض أن يشدد على ضرورة الحفاظ على الحكومة للقيام بمهامها الانقاذية، بما يعبّد الطريق للخروج من المأزق القائم بشكل آمن يحفظ السلم الأهلي.
Related Posts