بعد أسبوع إنقضى على ولادة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، في 10 أيلول الجاري، تراجع سعر صرف الدولار الأميركي في السّوق السّوداء تدريجياً وبشكل لافت، من 18 ألفاً إلى 13 ألفاً وخمسمئة ليرة يوم أمس للمرّة الأولى منذ عدة أشهر، بعدما كان الدولار قد تجاوز عتبة الـ23 ألف ليرة بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري عن تأليف الحكومة في 26 تمّوز الماضي، محققاً بذلك رقماً قياسياً مقابل إنهيار الليرة اللبنانية بشكل لم تبلغه في تاريخها.
لكنّ تراجع سعر الدولار مقابل الليرة اللبنانية التي تحسّنت خلال هذه الفترة، بعدما استعادت عافيتها بنحو 40 في المئة من قيمتها، لم ينحسب على انخفاض أيّ من السّلع والخدمات الأساسية التي تعني المواطنين مباشرة، بل على العكس، فإنّ بعضها قد شهد إرتفاعاً غير مبرّر، ولا يمكن تفسيره إلا أنّه تعبير عن جشع التجّار الذي لا يعرف نهاية له، وفي ظلّ غياب تام لأجهزة الرقابة.
تكفي جولة سريعة على السوبرماركت ومحال السّمانة ومحال بيع الحبوب والمواد الغذائية واللحوم على أنواعها، وفي طرابلس تحديداً، للخروج بهذا الإنطباع، الأمر الذي جعله حديث المواطنين ومنبع إستغرابهم الشّديد.
أحد المواطنين لفت إلى أنّه عندما كان سعر صرف الدولار 19 ألف ليرة، منذ شهر تقريباً، كان سعر صندوق البيض 24 دولاراً، لكن عندما تراجع سعر صرف الدولار مؤخراً إلى ما دون 14 ألف ليرة أصبح سعر صندوق البيض 37 دولاراً!
مواطن آخر أشار إلى أنّه عندما تجاوز سعر صرف الدولار 23 ألف ليرة إشترى فروجاً مشوياً بـ70 ألف ليرة، وكيلو اللحمة بـ140 ألف ليرة، لكنّ الأسعار إرتفعت بدل أن تنخفض بعد تراجع سعر الدولار إلى أقل من 14 ألف ليرة، إذ أصبح سعر الفرّوج المشوي 75 ألف ليرة، وكيلو اللحمة 175 ألفاً.
وبما أنّ شهر أيلول هو شهر الإستعداد للعودة إلى المدارس والجامعات، فإنّ إحدى المدارس الخاصّة الكبرى في طرابلس “صدمت” أهالي الطلّاب عندما أبلغتهم، مطلع الشّهر الجاري، أنّ تكلفة نقل الطلاب بباصات المدرسة داخل طرابلس هي 6 ملايين و500 ألف ليرة، وخارج طرابلس (في الكورة والميناء والقلمون) هي 8 ملايين و250 ألف ليرة، أي أكثر بـ30 في المئة على الأقل من قيمة القسط المدرسي بأكمله العام الماضي.
كلّ ذلك يحصل بينما الحديث يدور بجدّية تامّة حول قرار محتمل برفع الدعم عن المحروقات، أيّ أنّ سعر صفيحة البنزين والمازوت سيصبح بعد القرار أعلى من سعرها الحالي في السّوق السّوداء، وهو قرار سينعكس بلا شك على نواحي الحياة كافّة، وسيؤثر سلباً على الأحوال المعيشية للسواد الأعظم من المواطنين، لأنّ هكذا قرار لن يؤدي فقط إلى ارتفاع أجور النّقل، بل إلى ارتفاع أسعار السّلع كافّة.
هذا يعني بلغة الإقتصاد أنّ ما يجري في البلاد هو خارج المنطق تماماً، ولا يأخذ بعين الإعتبار مصالح أغلبية فئات الشّعب اللبناني التي باتت تعيش تحت خط الفقر، فارتفاع سعر صرف الدولار كما انخفاضه سيّان، ومصالح كبار التجّار والكارتيلات وأرباحهم مقدمة على أي اعتبار آخر.
Related Posts