عندما أعلنت السّفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا، بعد أقلّ من 24 ساعة على إعلان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، في 19 آب الماضي، أنّ ناقلة نفط إيرانية في طريقها إلى لبنان، عن أنّ إدارة البيت الابيض تجري محادثات مع البنك الدولي لاستجرار الكهرباء والغاز من الأردن ومصر على التوالي إلى لبنان، عبر سوريا، حتى خيّم صمت مطبق على حلفاء أميركا في لبنان، ولم يصدر عنهم أيّ موقف يعلن صراحة أو مواربة رفضه الإستعانة بسوريا لإخراج لبنان من أزماته، المتعلقة بنقص في الطاقة الكهربائية أو المحروقات معاً.
عقد كامل من الزمن مرّ أدار فيه فريق من اللبنانيين والدّولة معهم الظهر لسوريا، من غير أن يبادروا خلاله إلى فتح صفحة جديدة مع دولة شقيقة وجارة، تربطها مع لبنان علاقات التاريخ والجغرافيا التي لا يمكن إنكارها ولا القفز فوقها، والإلتفات إلى تأمين مصالح لبنان الحيوية مع سوريا كونها المنفذ البرّي الوحيد للبنان، وأقله عدم معاداتها ومنع تحويل لبنان إلى ساحة للتآمر عليها، إذا كانوا يزعمون أنّهم يرفضون أن يكونوا حلفاء لها.
إستعانة الولايات المتحدة بسوريا، ولو بشكل غير مباشر، من أجل مساعدة لبنان في الخروج من أزماته الخانقة، لم يعن فقط كسر الأميركيين أنفسهم قانون قيصر الذي فرض حصاراً مطبقاً وخانقاً على سوريا، ومعها لبنان، بل فتح كوّة في جدار العلاقات بين بيروت ودمشق ينتظر أن تتسع في المرحلة المقبلة، وسط إنطباعات واسعة بأنّ التواصل بين البلدين لن يقتصر مستقبلاً على الكهرباء والغاز فقط، وأن هذين الملفين ليسا سوى البداية فقط.
مؤشّرات كثيرة صدرت مؤخّراً أوحت أنّ الإدارة الأميركية بدأت تنسج خطوط تواصل واسعة مع دمشق للتنسيق معها في ملفات عدّة في المنطقة، سواء مباشرة او بالواسطة، منها الملف اللبناني بكل تشعباته وتعقيداته، وأنّ ما حصل ليس سوى البداية فقط. ومن أبرز هذه المؤشّرات مسارعة حلفاء واشنطن في المنطقة لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، مثلما فعلت الإمارات العربية المتحدة والبحرين، أو توسيع قنوات التواصل معها مثلما هو حال السّعودية، أو جسّ نبض السّلطات السورية لمعرفة مدى قبولها إعادة فتح قنوات التواصل معها كما هو حال تركيا مؤخّراً، مع محافظة بعض حلفاء أميركا على حدّ أدنى من التواصل مع سوريا من غير أن تقطعها منذ بدء الأحداث فيها، مثلما فعلت سلطنة عُمان والأردن ومصر.
يُضاف إلى ذلك تطوّرات وتحوّلات كثيرة في المنطقة طرأت في الآونة الأخيرة، جعل إعادة ترتيب العلاقات وخلط الأوراق أمراً طبيعياً. وكلّ ذلك كان يجري بينما بقي لبنان الرسمي وأغلب القوى السّياسية المعادية لدمشق تتفرج، من غير أن تبادر الدولة أو الأحزاب والشّخصيات السّياسية على القيام بمبادرة ما تجاه سوريا إنطلاقاً من مصلحة لبنان أو مصالحهم الذاتية، بانتظار ضوء أخضر ما جاءهم هذه المرّة من واشنطن.
مواضيع ذات صلة: