يدرك أصحاب الحل والعقد أن لا بدّ من تشكيل الحكومة التي تحولت الى مطلب شعبي لبناني والى تمني عربي وإقليمي ودولي، خصوصا أن أحدا لا يستطيع أن يتحمل تداعيات فشل حكومي جديد لا داخليا حيث الارتطام الكبير وإنعكاساته الكارثية، ولا دوليا حيث العقوبات وإدارة الظهر نهائيا لسلطة سياسية مصنفة على أنها عدوة نفسها وشعبها.
لذلك، فإن رئيس الجمهورية ميشال عون يحرص بعد كل سجال أو خلاف علني حول تشكيل الحكومة مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على ترطيب الأجواء سواء بإتصال كما أشارت مصادر صحافية أمس بأن “عون أجرى إتصالا بميقاتي وأكد له أنه ليس هو المقصود في بيان رئاسة الجمهورية”، أو بالتأكيد عبر مصادره أو بياناته الرئاسية على التعاون مع الرئيس المكلف بما يساهم في تأليف الحكومة.
لم يعد خافيا على أحد أن التشكيلة الحكومية باتت شبه جاهزة لدى الرئيس المكلف، وهي تحتاج فقط الى وضع اللمسات الأخيرة عليها ليصار الى توقيع مراسيمها من قبل رئيس الجمهورية، لكن ثمة عقدة أخيرة أساسية وجوهرية تؤخر ولادتها وهي تنقسم الى قسمين:
أولا: عدم قدرة الرئيس عون على الخروج من فكرة عدم حصوله على الثلث المعطل الذي كان يحصل عليه بسهولة في الحكومات السابقة، حيث وجد فجأة أن هذا الثلث أصبح مع الرئيس ميقاتي من المحرمات، لذلك فإن الأمر يحتاج الى مزيد من الوقت لكي يستوعب فريق العهد هذا التغيير في التركيبة الحكومية.
ثانيا: عدم إقتناع عون أن لبنان يعيش في كنف دستور إتفاق الطائف بالرغم من أنه أقسم اليمن على الحفاظ عليه وحمايته، وبالتالي بات عليه أن يدرك بأن رئيس الحكومة ليس وزيرا أولا يختاره رئيس الجمهورية من بين الوزراء السنة، بل هو الرئيس الفعلي للحكومة وهو من يقوم بتشكيلها وإختيار وزرائها بالتوافق معه، كما أنه هو من يقدم بيانها الوزاري ويتحمل مسؤوليته أمام مجلس النواب.
وبغض النظر عن محاولات التنصل من الثلث المعطل التي يلجأ رئيس الجمهورية وفريقه إليها في كل مرة على قاعدة: “يتمنعن وهن راغبات”، فإن السلوك الرئاسي مع الرئيس المكلف يتناقض كليا مع المواقف التي تصدر بين الحين والآخر، حيث بات واضحا أن فريق العهد يريد الاستيلاء على الحكومة ومصادرة قرارها من دون أن يتحمل أي مسؤولية سواء تجاه مجلس النواب أو تجاه الشعب اللبناني الذي يحرص الرئيس ميقاتي على أن تشكل الحكومة صدمة إيجابية له.
من الواضح أن فريق العهد بات أسير شهوة الحكم، فهو يريد وزارات الخارجية، والدفاع والعدل والاقتصاد والشؤون الاجتماعية والطاقة، ويسعى الى الحصول على ثلث معطل مقنع من خلال الاصرار على تسمية الوزيرين المسيحيين في وزارتي السياحة والمهجرين، الأمر الذي يتناقض مع مبدأ الشراكة الوطنية التي يؤتمن عليها رئيس الجمهورية، ويضرب صيغة التعاون، ويؤدي الى فرض هيمنة سياسية على مجلس الوزراء وعلى رئيسه.
وبالطبع، فإن الثوب الحكومي الذي يفصله فريق العهد بمباركة رئيس الجمهورية، لن يكون بأي شكل من الأشكال على قياس نجيب ميقاتي الذي يشكل خط الدفاع الأول عن إتفاق الطائف وعن صلاحيات وهيبة مقام رئاسة الحكومة، كما يتعارض مع المهمة الانقاذية التي كُلّف من أجلها، وهي تحتاج الى التوازن الذي هو أساس كل إستقرار ونجاح، أما التوجه الذي يصر فريق العهد عليه فمن شأنه أن يحول الحكومة الى جزر وزارية وأن يعطل المهمة الانقاذية وهذا أمر لا يمكن للرئيس ميقاتي أن يقبل به أو أن يسكت عنه، خصوصا أنه يريد تشكيل حكومة تشبهه وليس حكومة أي فريق آخر.
يقول مطلعون على أجواء التأليف: إن الرئيس ميقاتي عازم على تأليف فريق وزاري متخصص منسجم بولاء وطني قادر على وقف الانهيار، وهذا الأمر يتطلب ممن يعنيهم الأمر تفهما للمهة الانقاذية وترفعا عن المصالح الضيقة والمكاسب الشخصية، من أجل تحقيق المصلحة الوطنية العليا بوقف إنهيار لبنان وإنقاذ اللبنانيين.
مواضيع ذات صلة: