يبدو أن عملية تأليف الحكومة دخلت مفاوضات ربع الساعة الأخير، وهي مرحلة يتسابق فيها المعنيون على تحسين تمثيلهم وإنتزاع مكاسب إضافية، ويسقط فيها الزهد السياسي الذي غالبا ما تعمم أجواؤه في الاستشارات النيابية غير الملزمة التي يجريها الرئيس المكلف بعد صدور مرسوم تكليفه والتي تنتهي دائما من دون طلبات، قبل أن تمحو شهوة السلطة كلام الاستشارات.
في الشكل، التفاؤل ما يزال حاضرا، فالرئيس المكلف نجيب ميقاتي باق على ثوابته وهو يبذل مجهودا إضافيا لتدوير الزوايا للوصول الى مبتغاه في تشكيل حكومة مهمة من فريق عمل وزاري متخصص قادر على وقف الانهيار، ورئيس الجمهورية ميشال عون يظهر إيجابية إعلامية غير مسبوقة وهو أعلن أمس أمام زواره أنه “سيكون لدينا حكومة في غضون أيام قليلة”.
وفي هذا الاطار كانت لافتة الزيارة التي قامت بها السفيرة الأميركية دوروثي شيا الى كل من الرئيسين عون وميقاتي للدفع الى تشكيل الحكومة والحث على تذليل كل العقبات، ما يشير الى أن الولايات المتحدة الأميركية تدعم مهمة الرئيس ميقاتي والتي ستكون أيضا موضع إهتمام دول الخليج التي لا يمكن أن تتخلى عن لبنان في ظل هذه الظروف، خصوصا بعدما كسرت مشاركة المملكة العربية السعودية في مؤتمر 4 آب الجدار الذي كان مرفوعا طيلة الفترة السابقة.
ثم يأتي الوضع الاقتصادي والاجتماعي الضاغط وتداعيات إنفجار بلدة التليل في عكار، والصعوبات التي تتنامى يوميا وترخي بثقلها على المجتمع اللبناني والتي لا يمكن مواجهتها والحد من إنعكاساتها الكارثية إلا بتشكيل حكومة تضع أليات الخروج من الأزمات باستدراج المساعدات.
أما في المضمون، فيبدو أن كل المآسي التي يشهدها لبنان وتدمي قلوب العالم أجمع، لم تُخرج البعض من الزكزكات والمماحكات السياسية التي بدأت تظهر في إسقاط الأسماء على الحقائب الوزارية بعدما تم التوافق على توزيعها الطائفي والمذهبي، خصوصا أن هذا البعض يسعى للحصول على وزارات يستطيع الاستفادة منها في الانتخابات المقبلة، ويسجل من خلالها النقاط على الخصوم.
وبالطبع، فإن هذا السلوك يتعارض كليا مع توجهات الرئيس ميقاتي في عملية التأليف، خصوصا أنه لم يقبل التكليف لكي يقدم هدايا وزارية الى التيارات السياسية، مع إقتناعه بأن أي حكومة من هذا النوع ستكون لزوم ما لا يلزم، وستتحول الى حكومة إدارة أزمة، وهذا ما يرفضه ميقاتي الذي يريد تشكيل حكومة يكون لها صدى إيجابيا لدى المجتمع اللبناني، وتستعيد ثقة المجتمع الدولي بما يؤمن وصول المساعدات الى لبنان.
لذلك، فإن الرئيس المكلف الذي يعمل على فكفكة العقد الواحدة تلو الأخرى، ويدرك حساسية الوضع اللبناني يعمل وفق قاعدة “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم”، وذلك بإيجاد خلطة وزارية تتميز بالكفاءة والاختصاص وتحظى بقبول التيارات السياسية، وهو أمر صعب المنال، لكن الرئيس ميقاتي يصر على تنفيذه، خصوصا أن المهمة الانقاذية لا يمكن أن تكون فقط على عاتق ميقاتي الذي لا يمتلك عصا سحرية، بل هو يحتاج الى تعاون صادق وجدي من جميع الأطراف للمشاركة في هذه المهمة، أولا من خلال تذليل العقبات أمام ولادة الحكومة بالتوافق على قواسم مشتركة، ومن ثم تأمين الدعم الكامل للحكومة في توجهاتها ومفاوضاتها لحل الأزمات.
بالأمس، جدد الرئيس ميقاتي القول بأن مهلة التكليف غير مفتوحة، وفي ذلك رسالة واضحة لكل المعنيين، بأن أمام دماء أبناء عكار ومآسي عوائل شهداء المرفأ، وطوابير الذل على المحروقات والعتمة الشاملة، وإنقطاع الأدوية، وفقدان المستلزمات الطبية للمستشفيات، وأمام بكاء الأطفال لعدم توفر غذائهم من الحليب، تسقط كل المطالب والشروط والمعايير، لمصلحة تضافر الجهود لتشكيل الحكومة من أجل الانقاذ، وبالتالي فإما أن يشارك الجميع في هذه الورشة الوطنية، وإلا الاعتذار والارتطام الكبير..
مواضيع ذات صلة: