من قرأ التصريحات الأخيرة لرئيس الجمهورية ميشال عون حول تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، وتأكيده بأنه ″جاهز للتعاون معه لأنه يجيد تدوير الزوايا، وهو من النوع المتعاون الذي يأخذ ويعطي″، وتشديده على أن ″بالحوار الصادق نستطيع أن نعالج اكبر مشكلة″، يدرك أن التعاطي بين الرئيسين غداة التكليف الذي سيحصل اليوم، من المفترض أن يكون إيجابيا، خصوصا أن ميقاتي سيُقبل على إنجاز مهمته بحسن نية تحت سقف الدستور، فيما عون لم يعد يمتلك ترف الوقت في تأخير مهمة وقف الانهيار تمهيدا لاطلاق عملية الانقاذ التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ صبر.
هذه الرسالة الايجابية التي أطلقها عون باتجاه ميقاتي عشية التكليف، طرحت سؤالا محوريا لجهة، هل إقتنع عون أخيرا بتحييد صهره جبران باسيل عن الملف الحكومي، خصوصا أن رئيس الجمهورية بات على يقين أن عهده لا يحتمل إخفاقا ثالثا في تشكيل الحكومة بعد الدكتور مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري، وأن الأمور لم تعد تحتمل خصوصا أن ولايته تشرف على دخول عامها الأخير؟.
لا يستبعد متابعون أن يكون عون قد وصل الى هذا الخيار، خصوصا أن سلوك باسيل ونوابه في تكتل “لبنان القوي” حيال التكليف وطرح إسم الرئيس ميقاتي فيه الكثير من العدائية غير المبررة والتي لا تخدم العهد، وهذا السلوك الغريب يشير الى أمرين، الأول أن يكون هناك تبادل أدوار بين عون باسيل وهذا أمر فيه إنعدام للمسؤولية الوطنية ويعتبر إستخفافا بمعاناة ومآسي اللبنانيين، والثاني هو تحييد باسيل عن التكليف والتأليف ليستمر في تسجيل النقاط السياسية وإتخاذ المواقف الشعبوية على حساب أوجاع اللبنانيين، والتنافس مع القوات اللبنانية على استمالة الشارع المسيحي قبيل الانتخابات النيابية المرتقبة.
كل المعطيات تشير الى أنه إذا لم يتم تحييد باسيل عن الملف الحكومي فإن مصير لبنان سيكون “جهنم” التي بدأت تفتح أبوابها تباعا، خصوصا أن السم الذي يبثه باسيل بالتكافل والتضامن مع نوابه ومسؤولي تياره البرتقالي لا يضر رئيس الحكومة المكلف ولا يستهدف الطائفة السنية فحسب، بل هو يضاعف من حجم المخاطر على لبنان، كما يهدد تفاهم “مار مخايل” عبر إصرار باسيل في الاتصالات التي أجراها معه حزب الله على عدم تسمية ميقاتي، وتوجهه في خطوة إستفزازية للحزب الى تسمية السفير نواف سلام المرفوض من بيئة المقاومة بشكل كامل، الأمر الذي أزعج حزب الله الذي تشير المعلومات الى أنه بعد المداولات التي شهدها إجتماع كتلة الوفاء للمقاومة فإن الاتجاه سيكون نحو تسمية الرئيس ميقاتي وتقديم كل التسهيلات لتشكيل الحكومة.
يمكن القول، إن باسيل ما يزال يلعب على حافة الهاوية التي قد يقود إليها الشارع المسيحي الذي يتحصن خلفه وينطق باسمه ويدعي الدفاع عن حقوقه، بينما أكثرية هذا الشارع باتت ترفض السير خلف مغامرات باسيل، وهي بدأت تدرك بأن شعار حقوق المسيحيين يُختصر بتحقيق مصالح باسيل وتياره، في حين أن المسيحيين يتطلعون الى من يبعد عنهم كأس “الارتطام الكبير” من خلال تنفيذ المبادرة الفرنسية بكل مندرجاتها وتشكيل حكومة مهمة تنقذ بلدهم، ولا يريدون أن يكونوا أسرى لطرفين عادا ليتقاتلا حتى آخر مسيحي في لبنان.
تقول مصادر سياسية مطلعة: إن إفشال مهمة الرئيس ميقاتي سيكون لها تداعيات كارثية على البلاد والعباد، وهو في حال قدم إعتذاره عن تشكيل الحكومة كثالث رئيس مكلف بعد أديب والحريري، فإن ذلك يعني بأن العهد لا يريد الشراكة السنية وأن عون يريد تمضية ما تبقى من عهده من دون حكومة، أو مع رئيس ضعيف يفرط بالصلاحيات، ما يعني أن أحدا من الطائفة السنية لن يجرؤ على ترشيح نفسه وعندها سيكون الانهيار والخراب سيدا الموقف.
مواضيع ذات صلة: