قراءة في الاستشارات النيابية: تنافس إنتخابي بين القوات والتيار.. وفتنة مكشوفة لباسيل… غسان ريفي

شكل تكليف الرئيس نجيب ميقاتي بتأليف الحكومة صدمة إيجابية كانت البلاد بأمس الحاجة إليها، خصوصا أنها ترافقت مع رغبة أبداها له رئيس الجمهورية ميشال عون بإنقاذ عهده، ما أعطى إنطباعا عن إمكانية تسهيل مهمة الرئيس المكلف، في حال لم يدخل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على خط التعطيل مجددا، خصوصا أن مشاركته في الاستشارات وتصريحاته قد حملت رسائل سياسية عدة، بالرغم من أنه أبدى كل إستعداد للتعاون على تذليل العقبات.

في الوقت الذي كان فيه اللبنانيون يستبشرون خيرا بإعادة الحياة الى عملية التأليف التي إنعكست إرتياحا نسبيا في الأسواق المالية فسارع التجار والمضاربون الى إستغلالها لتحقيق بعض الأرباح، كان قصر بعبدا ساحة مفتوحة لتبادل الرسائل من خلال الاستشارات النيابية الملزمة، حيث بدا واضحا أن ثمة سباق بين الطرفين المسيحيين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الى ممارسة “شعبوية” تهدف الى إستمالة الشارع المسيحي تحضيرا للانتخابات.

وإذا كانت كتلة الجمهورية القوية بررت بلسان النائب جورج عدوان عدم تسمية الرئيس ميقاتي بمعارضة عهد ميشال عون الذي لم يعد يمتلك الحل، وباصرارها على إجراء الانتخابات النيابية المبكرة التي بحسب المراقبين لم تعد الدعوة إليها تجدي نفعا خصوصا أن الوقت المتبقي لها لا يتعدى تسعة أشهر، فإن التيار الوطني الحر كان له أجندة مختلفة عبّر عنها النائب جبران باسيل الذي بالرغم من عدم تسميته ميقاتي إلا أنه ترك باب التعاون مفتوحا معه بإنتظار الحكم على النتائج.

لكن اللافت، أن باسيل كان يراوغ بشكل واضح، سواء تجاه تسمية نواف سلام، أو الاشارة الى عدم ترشح فيصل كرامي، ففي تسمية سلام يدرك باسيل أن الرجل لم يبد رغبة بالترشح، كما لديه شروطا تعجيزية لجهة منح حكومته صلاحيات إستثنائية لمدة ستة أشهر الأمر الذي يرفضه حزب الله جملة وتفصيلا، وهو أي باسيل يعلم أن لا حظوظ لسلام، لكنه أراد القيام بزكزكة سياسية للحزب ضمن إطار الرسائل السلبية المتبادلة بين الطرفين.

أما الاشارة الى عدم ترشح فيصل كرامي لرئاسة الحكومة وهو كان النائب الوحيد من طرابلس الذي لم يسم الرئيس ميقاتي، بالرغم من أن نائبين في اللقاء التشاوري قاما بتسميته، وكذلك العضوين السابقين جهاد الصمد وقاسم هاشم، ما أظهر وكأن هناك أمرا شخصيا لدى كرامي، فقد أراد باسيل من ذلك ذر الرماد في عيون “الأفندي” خصوصا أنه يُعتبر مرشحا طبيعيا ولا ضرورة لاعلان ترشيحه، كما أن باسيل الذي إدعى إصرارا على الاصلاح في الحكومة العتيدة، سبق أن قام بتسويق حسان دياب تحت هذا الشعار وحشد له الأصوات المطلوبة لتشكيل حكومة أكثرية، قبل أن ينفض الجميع يده منه ومنها، وقد كان بوسع باسيل آنذاك أن يسمي فيصل كرامي لرئاسة الحكومة طالما أن الأمر كان بيده وبأيدي حلفائه، وهو كان بوسعه أيضا أن يسمي كرامي في إستشارات الأمس بدل اللجوء الى عدم التسمية.

كل ذلك، يشير الى أن باسيل حاول الاستفادة من عدم تسمية كرامي لميقاتي بهدف دق إسفين بين الرجلين وإيجاد شرخ أو إحداث فتنة في طرابلس، والايحاء بأن كرامي يخضع لرغبة التيار الوطني الحر في عدم تسمية ميقاتي بإنتظار أن يتبنى تسميته لاحقا لرئاسة الحكومة، وهو أمر من شأنه أن يسيء الى كرامي وأن يضعف موقفه في طائفته وفي مدينته طرابلس.

لا شك في أن سلوك باسيل أزعج حزب الله حيث أكد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد أن من “يمتلك الجدية لتشكيل الحكومة عليه أن يسمي الرئيس ميقاتي”، وفي ذلك بحسب مراقبين رسالة واضحة الى باسيل  و”عين حمراء” كونه يصر على أن يسير عكس التيار.

واللافت أيضا أن حزب الله الذي لم يسم الرئيس سعد الحريري في الاستشارات الماضية حرص على تسمية الرئيس ميقاتي مع التأكيد على تقديم كل الدعم الايجابي لتسهيل ولادة الحكومة، ما يدل على وجود تقاطع دولي ـ إقليمي حول ميقاتي الذي أشار بعد تكليفه الى أن لديه ضمانات دولية لتشكيل الحكومة.

الاستشارات النيابية أظهرت تناغما كبيرا بين ميقاتي وكتل المستقبل والتنمية والتحرير واللقاء الديمقراطي والتكتل الوطني الذين دعموا تسميته وشددوا على ضرورة تشكيل الحكومة الانقاذية المنشودة، في حين لعب الرئيس نبيه بري دور “أم الصبي” في صياغة هذا التناغم الذي أدى الى هذه النتائج الايجابية التي أعادت إحياء الأمل لدى اللبنانيين.


مواضيع ذات صلة:


 

Post Author: SafirAlChamal