يبدو أن كل الجهود اليوم تنصب على البحث عن رئيس مكلف خلفا للرئيس سعد الحريري، يكون قادرا على إنقاذ المبادرة الفرنسية بتشكيل حكومة تبدأ بالحد الأدنى في إنقاذ لبنان، وإلا فإن البلاد سوف تتجه نحو وصاية دولية حقيقية قد يعرف اللبنانيون كيف تبدأ لكن أحدا لا يعرف كيف يمكن أن تنتهي وماذا ستحمل من تداعيات في ظل الحساسيات الطائفية والمذهبية والتوازنات السياسية.
هذه المعادلة التي تتبناها فرنسا وتدعمها أميركا وتنتظر الموافقة السعودية تحتاج الى رئيس جدي يقبل التكليف، وما دون ذلك هو عبارة عن تضييع وقت بطرح أسماء للمناورة أو للحرق بإنتظار أن تنضج طبخة الاستشارات النيابية الملزمة التي يبدو أنها تحتاج الى مكونات كثيرة، على رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي برئاسة جبران باسيل تأمينها، ليتمكن الرئيس العتيد من التعاون الايجابي مع العهد الذي من المفترض أن يتنازل عن شروطه وأن يتعاطى مع المرحلة المقبلة بنفس جديد وإنفتاح لأن العمل على إستمالة الشارع المسيحي لتحقيق مكاسب شعبية أو إنتخابية لم تعد تصلح في عملية الانقاذ الحقيقية التي تصر فرنسا وأميركا على إطلاقها.
بات واضحا أن اللبنانيين دفعوا ثمن تسعة أشهر من المعاناة والمآسي وتضاعُف سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة، نتيجة حسابات شخصية لا تمت الى تقنيات تشكيل الحكومة بصلة، فليست المرة الأولى التي يتكلف فيها الرئيس الحريري، وليست المرة الأولى التي يشكل فيها حكومة، لكن المرة الأولى كانت في أن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يكن يريد الحريري رئيسا للحكومة وما عبر عنه عشية التكليف من خلال مؤتمره الصحافي الذي دعا فيه النواب الى تحكيم ضمائرهم في الاختيار، مارسه في أشهر التأليف بشروط وعراقيل ورفض لتشكيلتين بالتضامن والتكافل مع جبران باسيل الذي كان يريد الثأر من الحريري الذي تشير المعطيات الى أنه لم ينجح أيضا في الحصول على الدعم السعودي الواضح الذي كان من شأنه أن يساهم في تذليل بعض العقبات.
هذا الواقع يؤكد أن الكرة الآن باتت في ملعب الرئيس عون الذي يفترض به أن يسهل مهمة الرئيس المكلف الجديد وأن يعطيه ما لم يعطه للحريري لا سيما لجهة عدم التمسك بتسمية الوزراء المسيحيين وبالثلث المعطل، والتعهد بعدم التعطيل والدخول في متاهات طائفية أو تجديد المحاولات لفرض أعراف على إتفاق الطائف، لأن البدء بعملية الانقاذ وإستعادة ماء وجه العهد يحتاج الى تعاون صادق بغض النظر عن أية مصالح سياسية أو مكاسب شخصية، وهذا الأمر قد لا يكون بحكومة من 24 وزيرا من الاختصاصيين، بل ربما تحتاج المرحلة الى حكومة تكنوسياسية أو الى حكومة أقطاب أو غير ذلك، خصوصا أن مستوى الانهيار وصل الى المخاطر الكبرى التي تهدد بنسف الكيان اللبناني من أساسه.
تشير المعلومات الى أنه بالرغم من تأخير البحث في الاستشارات النيابية الملزمة الى ما بعد عيد الأضحى المبارك، إلا أن ثمة مفاوضات مكثفة تجري بعيدا عن الأضواء، خصوصا أن الاجتماع الذي عقد بين ثلاثي وزراء الخارجية أنطوني بلينكن (أميركا) وجان إيف لودريان (فرنسا) وفيصل بن فرحان (السعودية) ومن ثم زيارة السفيرتين الأميركية والفرنسية دوروثي شيا وآن غريو الى السعودية للبحث في الأزمة اللبنانية، وإستكمال ذلك بلقاء بين بلينكن ولودريان في نيويورك قبل أيام يؤكد أن لبنان بالرغم من كل الظروف العصيبة، فإنه غير متروك وما يزال على قائمة الاهتمام الدولي، علما أن جولة باتريك دوريل في لبنان كانت للبحث في مرحلة ما بعد إعتذار الحريري، في وقت لم يتوقف فيه التواصل الفرنسي مع حزب الله سواء عبر دوريل أو السفيرة غريو اللذين باتت حارة حريك تشكل محطة دائمة لهما.
يقول متابعون: إن الأخطار التي تحدق بلبنان تفرض على الجميع العمل للتوصل الى تسوية فورية، وأن أحدا لا يملك ترف الوقت في طرح أسماء غير جدية لتشكيل الحكومة، أو التمسك بشروط مسبقة أو لاحقة، خصوصا أن اللبنانيين باتوا في سباق مع الوقت فإما الانقاذ الجزئي الذي يبقي البلد على قيد الحياة، أو الانهيار الكامل وصولا الى خطر الزوال عن الخارطة.
مواضيع ذات صلة: