لم تمرّ 24 ساعة على تحذيرات رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي من احتمال حصول إنهيار كامل في حال اعتذار رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري عن مهمته، وخوفه من ترافق هذا الإنهيار مع اضطراب أمني، حتى كانت معظم المناطق اللبنانية تشهد إحتجاجات واسعة ردّاً على معاناتها المعيشية المتصاعدة يومياً.
هذه الإحتجاجات كانت قد بدأت تتصاعد تدريجياً في الأيّام الأخيرة، إذ ندر أن مرّ يوم بلا حصول إشكالات أمام محطة محروقات أو صيدلية أو مستشفى أو سوبرماركت، ما أعطى مؤشرات مقلقة حول ما قد تحمله الأيّام المقبلة من تطورات في غاية الخطورة، كانت أكثر من جهة داخلية وخارجية قد حذّرت منها.
في طرابلس مثلاً، من راقب سجل الحوادث والإشكالات الأمنية التي وقعت خلال الأسبوع الماضي فقط في عاصمة الشّمال، فلا بدّ إلا أن يشعر بقلق بالغ خوفاً من تطوّر الأمور وتدهورها نحو تفلّت الأوضاع وصولاً إلى الفوضى الشاملة، حالها حال مدن ومناطق لبنانية عديدة باتت الحوادث والإشكالات اليومية خبراً عادياً، لكن أخطر ما فيها إستخدام المتخاصمين أسلحة حربية، وإطلاق الرصاص بعدما كانت الإشكالات والحوادث السابقة تقتصر على الضرب واللكم والرفس، واستخدام العصي والسكاكين والآلات الحادّة.
هذا الوضع دفع الرئيس برّي إلى التحذير بقوله إنّ “البلد لا يحتمل التأخير في تأليف الحكومة، ولا يحتمل إنتظار إجراء إنتخابات نيابية ولو مبكرة، لأنّها لا يمكن أن تحصل قبل ثلاثة أو أربعة أشهر، والبلد قد يشهد إنهياراً كاملاً خلالها”، قبل أن يضيف أن هذا “الإنهيار سيكون تامّاً إذا اعتذر الحريري”.
تدهور الأوضاع إلى حدود الخروج عن السيطرة لم يجعل البعض يفكر في إيجاد مخارج أو تقديم تضحيات في سبيل خروج لبنان من أزماته قبل فوات الأوان، إذ ما يزال كثير من أركان السلطة السياسية لا يفكّرون سوى في تقديم مصالحهم الضيقة على حساب الوطن كله، والحفاظ على كراسيهم ولو فوق ركام وطن.
هذه الأنانية المفرطة لدى أغلب المسؤولين الذين يستعينون من أجل تحكّمهم بالسلطة ومواقع النفوذ، بالنّظام الطائفي وبخطاب طائفي تحريضي يهدف إلى شدّ العصب، في بلد تنخر فيه الطائفية من رأسه إلى أخمص قدميه، لم يجعلهم يتجاوبون مع دعوات خارجية مدّت اليد إليهم لمساعدة بلدهم، إلى حدّ أنّ أحد الموفدين الاوروبين الذين زاروا لبنان مؤخّراً قال لهم بالحرف الواحد: “شكلّوا حكومة واتركوا الباقي علينا”، إلا أنّ هذه الدعوات لم تجد آذاناً صاغية.
لكنّ الخوف ممّا قد تحمله الأيّام المقبلة من تطوّرات خطيرة بدأت معالمها بالظّهور في الساعات الماضية، نبع من أمرين: الأول نفض المسؤولين أيديهم من الأزمة التي وصل إليها البلد، لا بل وسعيهم الحثيث لعرقلة ومنع أيّ حلّ؛ والثاني الضغوط والإرهاق التي بات يعانيها الجيش اللبناني والقوى الأمنية، ورزوحها تحت ضغوط سياسية وإقتصادية وأمنية لا أحد يعرف إلى متى تستطيع الصمود في وجهها، وفي إبقاء الوضع تحت السيطرة.
مواضيع ذات صلة: