شدّت تطورات الأوضاع في طرابلس إنظار الجميع إليها، من سياسيين ومراقبين وأمنيين وإعلاميين ومواطنيين، نظراً لما شهدته المدينة منذ قرابة أسبوع تدهوراً واسعاً وخروجاً عن السيطرة، يكاد يدخل المدينة في المجهول، وجعلها على قاب قوسين أو أدنى من دخول نفق مسدود.
يعود السبب الرئيسي لانطلاق شرارة الإعتراض والإحتجاج في طرابلس إلى قرار الحكومة، الذي اتخذته يوم الخميس الماضي في 22 كانون الثاني الجاري، الذي يقضي بتمديد فترة الإغلاق العام، لمنع تفشّي فيروس كورونا، حتى الثامن من شهر شباط المقبل؛ لكن لماذا تركزت أكبر حركة إعتراض على القرار المذكور في طرابلس أكثر من غيرها من بقية المناطق اللبنانية، ولماذا تحوّلت حركة الإعتراض على القرار في عاصمة الشمال إلى اعمال فوضى وشغب وتخريب، وصراعات سياسية بين قوى عدّة متنافسة إختارت أن تكون طرابلس صندوق البريد الذي تتبادل عبرها رسائلها؟
لا يخفى أن طرابلس تعدّ أرضاً خصبة لأي حركة إحتجاج في وجه السلطة، أو ضد قرارات حكومية تراها جائرة وغير عادلة، نظراً للوضع المعيشي والإقتصادي البائس فيها، وحالة الفقر المدقع التي تجعل إستغلال فئات واسعة من المواطنين أمراً بمتناول اليد، وارتفاع نسب البطالة في المدينة بشكل يجعلها الأعلى في لبنان، وهو أمر يدفع أطرافاً مختلفة إلى استغلال نقاط الضعف هذه لتحقيق مآربها.
قراءات عدّة حاولت شرح وتفسير ما شهدته طرابلس في الأيّام القليلة الماضية وخصوصا أمس من إحراق البلدية وبعض المؤسسات، وعملت على ربط تطوّرات المدينة بأزمة تأليف الحكومة، وأنّها محاولة للضغط على الرئيس المكلف سعد الحريري ضمن بيئته السنّية، إما لتشكيل الحكومة وفق شروط خصومه أو الإعتذار عن التأليف تمهيداً لتكليف سواه؛ بينما قرأ آخرون ما يحصل في طرابلس بأنه مسعى يهدف إلى الضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيّار الوطني الحر جبران باسيل وتحذيرهما من أن الشاّرع، السنّي منه تحديداً، يهدّدهما بأيّام صعبة تنتظرهما في الثلث الأخير من ولاية عون، إذا ما استمر على المنوال ذاته من سياسته الداخلية، ومقاربته للأزمات المحلية.
وذهب المحلّلون أبعد من ذلك، عندما رأوا أن ما يجري في طرابلس تحديداً هو صراع تدور رحاه داخل تيّار المستقبل، وتحديداً الحريري وشقيقه بهاء، فضلاً عن تحليل آخر ذهب إلى أنّ أحداث طرابلس هي عبارة عن صراع أجهزة أمنية، وصولاً إلى تحليلات اعتبرت أنّ ما تشهده عاصمة الشمال هو صراعٌ خفي بين قوى خارجية إختارت مدينة طرابلس لتكون ساحة خلفية لصراعاتها.
كلّ ذلك دفع كثيرين إلى طرح تساؤلات مقلقة حول إن كان ما تشهده طرابلس مقدمة لتطوّرات أكثر دراماتيكية وخطورة في المرحلة المقبلة يجري تحضيرها لها، وأن تدفع المدينة من لحمها الحيّ ثمن صراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل، ولو كان ذلك على حساب أهلها وحاضرها ومستقبلها، وإغراقها في بحر من الأزمات لن تخرج منها بسهولة، ولا في وقت قريب.
مواضيع ذات صلة: