مع كلّ يوم يمرّ يزداد الإقتناع أنّ لا حلّ قريب لأزمة تأليف الحكومة، وأنّ الأمور متّجهة نحو مزيد من التأزّم والتعقيد والتصعيد في المرحلة المقبلة، في ظلّ تمسّك كلّ طرف بموقفه إلى حدّ التعنّت، وعدم قدرة أيّ طرف داخلي على تقريب وجهات النّظر بين الأطراف المتنازعة، ورفض أيّ طرف خارجي التدخّل لأكثر من سبب.
عندما جرى تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة في 22 تشرين الأول الماضي، خرج ليقول إنّه ينوي تشكيل “حكومة مهمّة” إستناداً إلى المبادرة الفرنسية، وأنّه يهدف إلى أن يكون لهذه الحكومة مهمة وحيدة تتمثل في إيقاف الإنهيار الإقتصادي والمالي والمعيشي، وإخراج لبنان من أزمته تمهيداً لاسترداده عافيته، مانحاً حكومته المرتقبة مهلة 6 أشهر لهذه الغاية.
غير أنّ المبادرة الفرنسية ما لبثت أن تعثرت قبل أن يعلن أكثر من طرف وفاتها بسبب عدم حصولها على غطاء دولي وإقليمي كاف لتبصر النور، واعتراض أكثر من طرف داخلي على مضامينها وأهدافها، ما وضعها على الرفّ لمدى ليس قصيراً، هذا إذا كُتب لها أن تولد من جديد.
كما أنّ تحديد الحريري مهلة 6 أشهر لحكومته أمرٌ لم يقبضه أحد على محمل الجدّ لأكثر من سبب، من بينها، ماذا تستطيع أيّ حكومة أن تفعل في فترة زمنية قصيرة؟، وما الضمانات بأنّها قادرة على ذلك؟، وهل تجارب الحريري على رأس حكومات سابقة هو وسواه تعطي إنطباعاً إيجابياً حول نجاحه في مهمته الجديدة؟، ومن يضمن بأنّ الحكومة ستستقيل بعد 6 أشهر، سواء نجحت في مهمتها أم فشلت، في ظلّ غياب الحدّ الأدنى من الثقة بين القوى السياسية في البلاد؟.
بالمقابل، رفع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيّار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل جداراً عالياً من الشروط في وجه الحريري، أبرزها مطلبهما بالحصول على ما بات يُسمى بـ”الثلث المعطل” في الحكومة، وتمسكهما بحقائب وزارية معينة، وإلا فإنّ مراسيم تأليف الحكومة، التي يمسك عون بمفاتيحها، لن تصدر أبداً، وصولاً إلى ما تسرّب عن قصر بعبدا من أنّه لا يحبّذ تشكيل الحريري الحكومة، وتفضيله شخصية سياسية أخرى لهذه المهمّة، بالتزامن مع ارتفاع حدّة السجال بين الطرفين بشكل غير مسبوق في أدبيات التخاطب السياسي بين الرئاستين الأولى والثالثة.
كلّ ذلك أكّد ما لم يعد خافياً، وهو أنّ الصراع الحقيقي بات يدور حول استحقاق إنتخابات رئاسة الجمهورية بعد أقلّ من سنتين. عون يريد أن يحقق في الثلث الأخير من ولايته أمرين: الأول إنقاذ عهده من الفشل الذي طبع الثلثين الأولين؛ والثاني أن يضمن لصهره باسيل الوصول إلى موعد الإستحقاق وهو في وضع سياسي مريح يضمن له الفوز بمقعد الرئاسة الأولى.
وتحسباً لذلك، يدرك عون وباسيل، إستناداً إلى ما حصل في استحقاقات سابقة لانتخابات رئاسة الجمهورية، أنّ احتمال عدم إجراء الإنتخابات في موعدها وحصول فراغ أمر وارد جدّاً، وبالتالي فإنّهما يريدان الإمساك بقرار الحكومة بحصولهما على الثلث المعطل فيها، ووزارات معينة، كشرط مسبق للموافقة على تشكيلها.
هذا التعارض بين الطرفين، واستقواء كلّ منهما بحلفاء له بوجه الآخر، جعل الجميع يقفون ويتمسّكون بمواقفهم، وتصعيدها، وسط تساؤلات: هل سيبقى جدار الأزمة عالياً ومغلقاً، وهل هناك إمكانية لفتح ثغرة فيه، ومن سيفتحها، ومن سيدخلها أولاً؟.
مواضيع ذات صلة: