الحكومة تتأرجح بين الشروط.. والحقائب تغطّ وتطير!… غسان ريفي

غاب ″لقاء الأربعاء″ بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، فتجمدت الدماء في عروق تأليف الحكومة، وعاد التشاؤم ليرخي بثقله على الأجواء اللبنانية بسبب الخلافات على الحصص الوزارية، وشدّ الدولار رحاله صعودا، وضرب اللبنانيون كفا بكف على ما يواجهونه من ويلات، بينما تغرق السلطة السياسية في التفتيش عن مصالحها ومكاسبها.

غرقت شوارع بيروت والمناطق اللبنانية بمياه الأمطار وتحولت الى “برمائية” بفعل الاهمال، تناثر طحين الفقراء هباء من مستودعات المدينة الرياضية بعد تخزين كمياته الموهوبة من العراق بشكل غير مطابق للمواصفات ولأسباب مجهولة، تهدمت بعض بيوت بيروت بسبب تقصير السلطة عن ترميم وتأهيل ذاكرة العاصمة التي دمرها إنفجار 4 آب، كما إنطلقت تظاهرة إحتجاجية الى منزل المحقق العدلي فادي صوان لمطالبته بكشف حقائق كارثة المرفأ وعدم الرضوخ الى التدخلات السياسية الساعية الى تجهيل الفاعل وحمايته.

هذه المآسي أضيفت الى جنون الدولار الذي يثور ويهدأ على أجواء تشكيل الحكومة، والى الغلاء الذي يستقوي على دعم وزير الاقتصاد وحماياته الوهمية للأسعار، والى البطالة والفقر والجوع، الى آخر إسطوانة الأزمات اللبنانية التي تتوالد يوميا بفعل أسوأ سلطة سياسية يمكن أن يشهدها لبنان في تاريخه الحديث.

في غضون ذلك، يتأرجح تشكيل الحكومة بين شروط الرئيس ميشال عون بإرضاء صهره جبران باسيل للقبول بها والتوقيع على مراسيمها، وبين رغبة سعد الحريري بالعودة الى السراي الحكومي مع الحفاظ على ماء وجهه بعدم تقديم كثير من التنازلات، والصراع الخفي القائم بينه وبين باسيل الذي يسعى للحفاظ على نفوذه في المرحلة المقبلة، وبين مطالب التيارات السياسية بحصصهم والحقائب التي يتطلعون إلى تسلمها.

كل ذلك، يفرض تخبطا غير مسبوق في تشكيل الحكومة، بدءا من تنازلات الحريري عن حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين، وعن الحكومة المصغرة، وعن المبادرة الفرنسية التي لم يعد يوجد منها شيء في المستجدات السياسية التي فرضت نفسها على عملية التأليف، مرورا بطرح 14 وزيرا ومن ثم 24 وأيضا 20 الى أن إستقر الأمر على 18 وزيرا مع إمكانية العودة الى الـ 20 وزيرا في حال أخل الحريري بأي إتفاق، وكذلك، بطرح المداورة تارة في الحقائب السيادية مع إستثناء وزارة المالية المعقودة للطائفة الشيعية، وتارة أخرى في كل الحقائب، وطورا باسقاط هذه المداورة، وتخلي الحريري عن الداخلية بداية لمصلحة الخارجية، ومن ثم عودته إليها تحت ضغط الشارع السني، ومن ثم تخليه عنها مجددا، وإصراره على تحييد وزارة الطاقة عن التيار الوطني الحر الذي يصر على الاحتفاظ بها، ومن ثم “التذاكي” على اللبنانيين بإقتراح تسليم الطاقة الى وزير أرمني مقرب من التيار ومن رئيس الجمهورية ما يعني أنها بقيت في عهدة “البرتقاليين”، وصولا الى الفوضى غير المسبوقة في توزيع الحقائب التي تغطّ وتطير، فساعة تكون الصحة مع حزب الله ثم تُسحب منه ويعطى بدلا عنها الأشغال، وتذهب الصحة الى الحزب التقدمي الاشتراكي ثم تستبدل بالتربية التي تعود وتستقر لدى حزب الله، لتوضع الاتصالات في عهدة المردة ثم تستبدل بالأشغال وأيضا بالتربية، وهكذا دواليك ما يجعل المشاورات الحكومية تدور في حلقة مفرغة.

أمام كل المآسي والمعاناة والكوارث التي يواجهها اللبنانيون، تبدو كل هذه المشاورات واللقاءات والاتصالات من أجل تأليف الحكومة سخيفة ومن دون طائل أو جدوى، لأن الهم الأساسي لكل السلطة السياسية هو ما ستحصل عليه من حصص وازنة في الحقائب الوزارية، أما عملية إنقاذ البلاد والعباد فيمكن أن تنتظر، ما يعيد الأمور الى نقطة الصفر والى ما قبل ثورة 17 تشرين التي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام وحشية السلطة التي لن تتوانى بعد كل التجارب الماضية أن تحرق لبنان أو أن تضحي به وبشعبه من أجل تحقيق مصالحها.


مواضيع ذات صلة:

  1. هل أنهى تكليف الحريري الثورة؟… غسان ريفي

  2. جريمة كفتون.. أنقذت لبنان!.. غسان ريفي

  3. في كانون الأول المقبل.. لبنان يكون أو لا يكون!… غسان ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal