تساؤلات على هامش الرحلات في ″قوارب الموت″!… غسان ريفي

لا توجد مأساة أكبر من أن تدفن أمٌ طفلها وفلذة كبدها في أعماق البحر خوفا من تعفن جثته بعدما مات جوعا وعطشا على قارب يفتقر لأبسط شروط السلامة العامة، وتعود أدراجها على أمل أن تقذف أمواج البحر جثته الطرية الى الشاطئ فتتمكن من دفنه.

ليس بعيدا عن الأفلام الهوليودية ما حصل مع ركاب “قارب الموت” الذي إنطلق من المنية وعلى متنه 37 شخصا تقطعت بهم السبل في المياه الاقليمية بعدما نفذ مخزون مادة المازوت وتاهوا في عرض البحر، فتحول القارب الى حلبه رعب..

الكل يئن جوعا وعطشا، ومن بقي معه شربة ماء خشيَ أن يُقتل لأجلها، وشبح الموت يخيم فوق القارب فيخطف طفلين لم يجدا ما يسدان به عطشهما سوى بعضا من المياه المالحة التي فتكت بأمعائهما.

كان البحر من أمام ركاب القارب ومن ورائهم، والموت من فوقهم، ما دفع بعض الشبان الى اليأس فرموا بأنفسهم في المياه علهم يجدون وسيلة نجاة، وقد تمكن أحدهم من الوصول الى طراد لليونيفل عمل على إنقاذ من تبقى في القارب، فيما يعود الباقون أدراجهم جثثا طافية على سطح المياه تقذفها الأمواج الى الشاطئ اللبناني بعدما خذلهم البحر وغدر بهم وأغرقهم مضيفا مآس على مآسي عائلاتهم التي فقدت المعين والمعيل.

بالرغم من التضامن الذي حظيت به العائلات التي واجهت هذه المأساة، والتي قدمت صورة واضحة عن الوضع المزري الذي وصل إليه لبنان، ووجهت رسالة شديدة اللهجة الى المسؤولين السياسيين الذين لم يعتبروا حتى الآن مما يعانيه اللبنانيون من فقر وبطالة وجوع يدفعهم الى الرمي بأنفسهم في البحر، فيما هم يختلفون على جنس الملائكة وعلى جنس الوزارات التي يلهثون وراءها، إلا أن سلسلة من الأسئلة المشروعة تفرض نفسها، لجهة: كيف يمكن لمركب أن يُبحر الى قبرص أو اليونان من دون أن يتزود بالكميات الكافية من المازوت التي تمكنه أقله من الوصول الى بر الأمان، خصوصا أن السبب الرئيسي لما حصل مع “قارب الموت” كان نفاذ المازوت منه في عرض البحر؟.

وكيف يمكن لعائلات أن تُبحر الى تلك الدول على متن قوارب تفتقر الى أدنى شروط السلامة، ومن دون أن تحصن نفسها بـ”زوادة” من الطعام والمياه بما يمكنها من الصمود تحت أشعة الشمس وفي البحر؟، وكيف لأمهات أن يحملن أطفالهن الى مخاطرة من هذا النوع من دون أن يؤمنّ لهم كميات من الحليب والمياه تكفيهم للوصول الى الدولة التي يقصدونها؟.

ثم، لماذا عادت مراكب الهجرة غير الشرعية الى الواجهة اليوم وبهذا التوقيت بالذات، مع أن أزمة البطالة والغلاء والفقر ترخي بثقلها على اللبنانيين منذ أكثر من سبعة أشهر؟.. هل هي رسالة الى أوروبا لحثها على مساعدة لبنان قبل أن تجد مواطنيه مع السوريين والفلسطينيين على شواطئها؟، أم أن مافيات الاتجار بالبشر عادت لتنشط من جديد بدون حسيب أو رقيب؟، وأين الأجهزة الأمنية على إختلافها من كل ما يجري، من شراء المراكب الى الاتفاق مع المواطنين وقبض الأموال منهم وخروجهم عبر البحر الى المياه الاقليمية وكأن الشاطئ اللبناني يفتقر الى أي رقابة أو حضور أمني أو عسكري؟.

يقول أحد المتابعين: إن المركب الذي يستطيع الخروج من الشاطئ في أي منطقة لبنانية ويصل الى المياه الاقليمية ويبحر نحو أي دولة أوروبية من دون علم الأجهزة الأمنية والعسكرية، هو نفسه يستطيع أن يأتي من أي دولة، ويدخل الى المياه الاقليمية ويصل الى الشاطئ من دون معرفة تلك الأجهزة، وإذا كانت المراكب الخارجة من لبنان تحمل أشخاصا يسعون وراء هجرة غير شرعية، فإن المراكب الداخلة ربما تحمل ما هو أخطر وقد يؤدي ذلك الى ما لا يحمد عقباه، الأمر الذي يضع هذه الأجهزة أمام مسؤوليتها التي من المفترض أن تُسأل عنها!!..


مواضيع ذات صلة:

  1. جريمة كفتون.. أنقذت لبنان!.. غسان ريفي

  2. في كانون الأول المقبل.. لبنان يكون أو لا يكون!… غسان ريفي

  3. لغة العالم لا تفهمها السلطة.. والعهد يطلق النار على نفسه!… غسان ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal