عن وجع مشهد النعش الأبيض على أكف الأولاد.. ونيترات الأمونيوم!… حسناء سعادة

منذ لحظة الانفجار في مرفأ بيروت، قررت الا اكتب حرفا واحدا عنه، فالوجع كبير والصدمة هائلة والكلمات لا تكفي للتعبير عن حجم الكارثة بشريا ومعنويا وماديا، لكن صورة الاولاد الذين لم يتجاوزوا بعد سن المراهقة يحملون على اكفهم نعش زميلهم قبل ان يحملوا شهادات تخرجهم كسرت قلبي.

تخيلت كما غيري من الناس حجم وجع اهل هذا الطفل الشهيد ووجع اصحابه ومحبيه.

تخيلت حجم خيبة الامل لدى الكثير من الاهالي بالوصول الى حياة سالمة آمنة لاولادهم بوطن لم نشهد، نحن الجيل المخضرم، منذ خروجنا من رحم امهاتنا، الا على حروب وكوارث واقتتال ودمار وخيبات امل بمستقبل هانىء، فلماذا على اولادنا ان يرثوا ما عانينا؟ لماذا علينا ان نعيش برعب دائم من عدم عودة فلذات اكبادنا الى البيت سالمين؟.

وجع مشهد النعش الابيض المحمول على اكف فتية لم يتجاوزوا الـ 15 ربيعا سيرافقنا مهما كنا اقوياء امام المصائب، سيخبرنا ان اولادنا قد يكونوا مشاريع شهداء، سيجعلنا ربما نفتش عن مرقد عنزة في بلاد الله الواسعة وسيدفعنا مرغمين الى الكفر باي امكانية للتغيير.

لماذا على الام ان تتغنى بعيون ابنها العسلية وهذه العيون منطفئة بفعل اهمال واستلشاق، الا يمكن ان يكون ابني او ابنك جثة هامدة مكان هذا الشاب الجميل ذو العيون الملونة الذي انظر الى صورته واشكر الله ان ابن سلفي الطبيب صاحب العيون الجميلة ايضا لم يكن في مستشفى الوردية ذاك اليوم المشؤوم؟.

لماذا علينا نحن الاوادم في لبنان ان ندفع دائما الثمن، نشقى ونتعب ونوصل الليل بالنهار ليذهب اولادنا الى افضل الجامعات عسى وعل يجدون مستقبلهم في بلدهم، ولكن بئس بلد يعيش على 2750 طنا من نترات الامونيوم الخطير ولا من يسأل لا بل تستمر التجاذبات السياسية والمناكفات وكأن شيئا لم يكن وكأنه بالفعل الجمرة لا تحرق الا بموضعها.

هل انفجار المرفأ هو الذي جعل شقيقة زوجي التي ربت وسهرت على ولديها لتراهما على ما هما عليه اليوم توافق على مغادرتهما البلاد رغم وجع الفراق ام هو الوضع برمته الذي اوصلنا الى كبح جماح عاطفتنا وتفضيل مستقبل اولادنا وامنهم وسلامهم على ما عداه؟

في الحي عندنا منازل متعددة وكلها تقريبا خالية من الشباب منهم من هاجر الى افريقيا ومنهم الى السعودية وقطر وابو ظبي والبعض الى اوستراليا وغيرهم الى فرنسا، واليوم انا من بينهم، وبكل طيبة خاطر، احزم حقائب وحيدتي التي تنتظر تأشيرة السفر، فهل كتب على لبنان ان يكون مأوى عجزة فقط ومأوى غير مريح بتاتا؟.

ليس انفجار المرفأ وحده سبب كآبتنا، هو القشة التي قصمت ظهر قدرتنا على تحمل المصائب التي لا تأتينا فرادى، وهو الكيل الذي افاض كوب مآسينا وجعلنا نرى انه بالفعل هناك أسوأ من خسارة اموالنا في المصارف او فقدان وظائفنا وجنى عمرنا، وأخطر من الفساد المتفشي والمعشعش في اداراتنا، واهول من المحسوبيات والتنفيعات والهدر وتفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، فنحن اليوم امام عشرات الشهداء والمفقودين والجرحى والمتضررين ومئات المشردين، نحن اليوم فقدنا الثقة بوطننا… فماذا فعلتم بنا ايها القيمون على البلاد والى اين اوصلتمونا؟…حسبنا الله ونعم الوكيل.


مواضيع ذات صلة:

  1. رسالة من مواطنة لبنانية الى رئيس الجمهورية… حسناء سعادة

  2. زغرتا تزرع.. للاكتفاء الذاتي من الخضار في الأيام الصعبة… حسناء سعادة

  3. كلام بشظايا حارقة لـ فرنجيه.. هل وصلت الرسالة؟… حسناء سعادة


 

Post Author: SafirAlChamal