أكثر من تصريح وتدبير حكومي ووزاري إتخذ في الساعات القليلة الماضية في مواجهة فيروس كورونا بهدف منع تفشّيه في لبنان، أعطى إشارة واضحة إلى حجم القلق الكبير الذي ينتاب مختلف الأوساط المعنية، وخوفهم المبرّر من أن تكون كلّ الإجراءات والتدابير السابقة التي اتخذت قد ذهبت أدراج الرياح، بفعل إستهتار المواطنين وعدم تعاطيهم بمسؤولية مع التعلميات والتدابير الإحترازية التي طلبت وزارتي الصحّة والداخلية منهم إتخاذها.
وجاءت هذه التصاريح والتدابير بعد ارتفاع عدد المصابين بالفيروس، سواء بين المقيمين أو المغتربين الذين وفدوا مؤخراً إلى لبنان، بعدما أُعلن أمس عن ظهور 36 مصاباً، وهو رقم يعدّ الأعلى الذي يُسجّل يومياً في لبنان، ليبلغ عدد المصابين العام 845، وسط مؤشرات مقلقة ترى أن احتمال تجاوز عدد المصابين الألف والوفيات 26، مرجّح في غضون أسبوع على الأكثر إذا استمر تسجيل الإصابات يومياً على الوتيرة نفسها.
هذا التطور الخطير جعل رئيس الهيئة الوطنية الصحّية الدكتور إسماعيل سكرية يرى أن “الوضع عاد إلى نقطة الصفر أو ما قبل نقطة الصفر بقليل، لأنّه كلّ يوم تظهر عدة إصابات بفيروس كورونا في مختلف المناطق”.
ولعلّ خروج الأمور عن السيطرة دفع وزير الصحة حمد حسن إلى التلويح باحتمال تجديد الإجراءات المشدّدة، إذ قال إنّه “إذا بقيت نتائج إصابات فيروس كورونا مرتفعة، سأطلب من مجلس الوزراء إقفال البلد 48 ساعة”، وهو موقف تبعه في أقل من 24 ساعة وزير الداخلية محمد فهمي، الذي اتخذ قراراً قضى بموجبه “منع الخروج والولوج إلى الشوارع والطرقات ما بين الساعة السابعة مساءً ولغاية الخامسة فجراً”، إبتداءً من اليوم.
هذه المواقف والتدابير جاءت بعد أكثر من تطوّر خطير وغير مسؤول من قبل مواطنين في مختلف المناطق، وبين مغتربين وفدوا مؤخراً إلى لبنان، كان أبرزها قيام مغترب وفد حديثاً من نيجيريا باستقبال مهنئين له، ما تسبّب بنقله الفيروس إلى أقارب وجيران، بينهم عسكريون، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة حسان دياب إلى التلويح باحتمال إعادة النّظر بالمرحلة الثالثة من إعادة المغتربين إلى لبنان والمتوقع تنفيذها في منتصف الشهر الجاري، بعد ظهور ثغرات كبيرة وخطيرة بشكل يقارب حدّ الفضائح، ما يرجّح إمّا تأجيلها أو إلغاءها أو تخفيض عدد الرحلات.
وإذا كان استهتار المواطنين في هذا المجال يعدّ سبباً رئيسياً في تفشّي الفيروس بينهم، نظراً لعدم إلتزامهم كليّاً أو جزئياً إجراءات وتدابير الحجر المنزلي الصحّي، فإن الإرباك والتخبّط والضياع الذي تعاني منه الحكومة، يعتبر سبباً إضافياً في ذلك، إذ لو طبّقت وزارة الداخلية القرارات السابقة على نحو تام لما وصلت الأمور إلى هذا الحدّ، لكن التساهل من قبل القوى الأمنية والجيش والبلديات، كما بقية الوزارات والمؤسسات المعنية، مع حالات التفلّت جعل الأمور تخرج عن السيطرة، وأن لا تعطي الإجراءات والتدابير السابقة النتائج المتوخاة.
ما سبق يدلّ الى أنّ الأيّام المقبلة لا تبشّر بالخير، وأنّ تحذير أكثر من مسؤول معني بموضوع فيروس كورنا من أنّ “الأسوأ لم يأت بعد”، يعبّر عن الواقع الأسود الذي ينتظر اللبنانيين إذا استمروا، مواطنين وحكومة ووزارات وأجهزة، في التعاطي بخفّة مع الفيروس القاتل.
مواضيع ذات صلة:
-
إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد
-
عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد
-
الحكومة تستدرك خطأها: الجيش بدل الإغاثة والمساعدات نقدية… عبد الكافي الصمد
