عن ماري و″السليق″ والفقر وعزة النفس!… حسناء سعادة

تمكنت ماري حتى الامس القريب من تربية اولادها بعرق جبينها، اشتغلت بكل شيء ولم تخجل من مهنة، كل همها ان يدرس اولادها في الجامعات ويتخرجوا ويؤسسوا لانفسهم حياة مريحة بعد ان عاشوا مرارة الايام الصعبة.

هي امرأة لم تحز تعليما مميزا لكنها ذكية بالفطرة، عرفت تدبير امور حياتها وحياة اولادها من دون منة من احد، فقط بعض الاموال التي يرسلها لها اخوتها من اوستراليا اعانتها مع بعض ما ″صمدته″ من اعمالها المتواضعة في شراء منزل صغير لكنه كبير بالحياة والحب والاهم التعاون بين الجميع.

ماري، كريمة ايضا بالفطرة، فطاولتها المليئة بالمنتوجات من صنع يديها ممدودة امام كل زائر، ومرحبة بالجيران او الاقارب الذين يأتون من مسقط رأسها الجبلي، فالضيافة من شغل البيت وبمكونات بسيطة فهي رغم قلة السيولة تعرف كيف تتسوق واين وكيف تصرف مالها القليل.

حال ماري كانت منتظمة حتى الامس القريب رغم شح الاموال، فما يجنيه ابنها من مال التعاقد مع بعض المدارس يكفيه في تسيير امور حياته والمساعدة في تدبير امور المنزل وكذلك تفعل شقيقته الحائزة على ماجستير في العلوم السياسية والحائزة ايضا على دلال وافتخار الوالدة التي ترى نفسها بابنتها المجتهدة وان بطريقة مختلفة عن نمط عيشها هي.

هذا كان حتى الامس القريب، اما اليوم فماري تعاني الأمرين، حيث لا اموال من الاغتراب ولا اموال من التعاقد ولا وظيفة ثابتة لابنتها الصغرى، لكنها كي لا تقف متفرجة اختارت البراري حيث تناجي ربها من هناك وتقطف ما تيسر من نباتات “السليق” والهندباء والزعتر والهليون على امل بيعها ولو باسعار زهيدة، لكن كيف تبيع وهي التي تعودت ان تتحوج من هذه النباتات وتقيم منها ولائم وتوزع الفائض على الاصحاب والاصدقاء.

تقول ماري في دردشة مع “سفير الشمال” انها “حاولت بيع بعض ما تقطفه من البراري ولكن “لمن؟ للاهل الذين باتت حالهم كحالي، كلنا بالهوا سوا، بالامس كنت فقيرة وكانوا متوسطي الحال، اليوم هم وانا من دون اموال ومن دون عمل ومن دون دولة تتطلع فينا، الى من نشكو امرنا، لنا الله وهو خير مدبر للامور”.

وتتابع: “لمن ابيع؟ للجيران الذي لديهم اطفالا وعلبة الحليب بسعر الذهب ام للاقارب الذين يمرون مثلي بازمة سيولة ام للاصدقاء الذين تعودوا ان ارسل لهم اكلة سليق او ربطة هليون اقله مرة في الشهر، كلنا في مركب واحد، انا اختبرت الفقر وتعودت واتمنى ان لا تمر على احبائي اياما ظالمة كالتي عشتها”، متمنية لو كانت هاجرت مع اهلها يوم اختاروا الاغتراب سبيلا “فهناك على الاقل دولة تخشى على مواطنيها وهناك لكان اولادي حصلوا على مستقبل افضل”.

تختم ماري حديثها بالتأكيد ان “عزة النفس هي الاهم، وكلنا راحلون عن هذه الدنيا ولا نأخذ معنا الا ذكرانا الطيبة، انا اقصد البراري واقطف من خيرات ربنا فلماذا احجب هذه الخيرات عمن هو اكثر حاجة مني؟.

كيس نباتات ماري لا يصل الى منزلها كاملا فهي على طول الطريق من البساتين الى بيتها تقدم باقة هليون لجارة او باقة هندباء لاخرى والحبل على الجرار، والكل تعود على كرمها. 

ويبقى السؤال كم من ماري تعتاش اليوم فقط من خيرات الطبيعة وتقدم فلس الارملة لفقراء مثلها فيما حيتان المال يأكلون البيضة وقشرتها ولا يقدمون ولو كسرة خبز لمحتاح.


مواضيع ذات صلة:

  1. أرقام مخيفة عن سرعة إنتقال الكورونا في لبنان.. وعلى الدولة تأمين آلات الأوكسجين… حسناء سعادة

  2. إرباك في زغرتا من تضخيم أعداد المصابين بالكورونا.. ما هي الحقيقة؟… حسناء سعادة

  3. بطل لبنان يوسف بك كرم.. أول علماني على درب القداسة!… حسناء سعادة


 

Post Author: SafirAlChamal