حسن مقلد لـ″سفير الشمال″: الارباك إستثنائي.. ومقارنة بالأرقام وضعنا ليس مستحيلاً!… ديانا غسطين

هي الأزمة المالية الاقتصادية التي ترخي بظلالها على اللبنانيين منذ نهاية الصيف الفائت واستمرّت في الاشتداد بعد ثورة 17 تشرين 2019، لتصل في اليومين الماضيين الى مستويات عالية، فمع غلاء الاسعار بشكل جنوني، الى ارتفاع سعر صرف الدولار، الى انخفاض القيمة الشرائية للرواتب بما يقارب الـ 40%، يقف اللبنانيون حائرين يترقبون بخوف ما سيحصل في الايام القليلة المقبلة لا سيما مع اقتراب تاريخ ″9 آذار″ موعد استحقاق سندات ″اليوروبوندز″. ندفع او لا ندفع، وهل اللجوء الى صندوق النقد الدولي هو السبيل الوحيد للخروج من ازمتنا؟.

في السياق يؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور حسن مقلد في حديث الى ″سفير الشمال″: اننا نعيش مشكلتين ″الاولى تكمن في اقتصادنا الذي بدأ يتدمر بشكل ممنهج منذ اكثر من 30 سنة ونحن واقفون نتفرج ولم نحاول حتى انعاشه. والثانية تكمن في الموضوع  المالي المنفجر اليوم والمرتبط بالموضوع الاقتصادي ولكنه يمشي في مسار مواز له. فأيام البحبوحة كان الاقتصاد مكسراً الا ان حجم التدفقات المالية الى لبنان من الخارج كان كبيرا لدرجة انه يغطي الجعحعة التي يحدثها الاقتصاد اثناء تكسره. اذ انه على مر السنين كانت هناك اموال كثيرة الا ان البنية الاقتصادية كانت مدمرة″.

ويرى الدكتورمقلد ان الازمة السورية اضرت بنا اقتصادياً بسبب اقفال الحدود، كما ان تواجد هذا العدد الكبير من النازحين السوريين شكل عبئاً اضافياً على اقتصادنا بحوالي الـ 25% دون ان تحرك الدولة ساكناً، اضف الى ذلك ندرة الدولار في كل المنطقة المحيطة بنا، اذ لم يعد هناك من تدفق مالي.

ويقول: اذا الازمة الاقتصادية كانت قائمة منذ الاساس اما الازمة المالية فانتقلت من مستوى الى آخر اكثر سوءاً، وكان ينبغي علينا منذ العام 2011 التوقف عن التعاطي بنفس العقلية المالية الا ان الوضع استمر لغاية العام 2016. ولا بد من الاشادة هنا بانه لولا الهندسة المالية التي قدمت آنذاك، على الرغم من كل علاتها، لما كنا تمكنا من الوصول الى اليوم. فمنذ البدء امتهنا شراء الوقت الا اننا لم نستغل هذا الوضع للقيام بأية اصلاحات او تحسينات.

وحول الوضع اليوم، يرى الخبير الاقتصادي مقلد انه على الرغم من الارقام المطروحة ومدى تعاستها لا يجب ان يكون الوضع المالي سيئاً الى هذه الدرجة، فبحسب هذه الارقام يفترض ان يكون وضعنا المالي افضل مما هو عليه اليوم.

ويكشف مقلد انه منذ الخامس من ايلول 2019 وحتى الرابع عشر من كانون الثاني 2020، خرج من البلد الى سويسرا تحويلات بقيمة ثلاثة مليارات وثمانماية وستة وثمانون مليون دولار وفق الارقام الرسمية منها مليارين وثلاثماية وستة وسبعون مليون دولار حولت في الفترة الممتدة بين 17 تشرين الاول 2019 و14 كانون الثاني 2020 وكل ذلك وفق الارقام الرسمية للجنة الرقابة على المصارف.

ويضيف مقلد: في تشرين الثاني 2019 دفع لبنان سندات يوروبوند بقيمة مليار وخمسماية مليون دولار، كما دفع 500 مليون دولار خدمة الدين العام. ويتساءل: هل يكون البلد الذي يدفع في 3 اشهر مبلغاً يقارب الست مليارات دولار بلداً ذو وضع صعب؟ الجواب.. قطعاً لا. ويتابع: الدليل على ان هناك اموالا في البلد هو ان الناس لا زالت الى اليوم تجري التحويلات المالية وكل ما يتعلق بها. اذا وفي الخلاصة لا زالت هناك امكانات في البلد على دقة الارقام شرط اتخاذ القرار المناسب.

ويقول الدكتور مقلد: مشكلتنا الاساسية المباشرة هي تحسين الاقتصاد وللنجاح في هذه المهمة علينا ان نتمثل بدول العالم وان يكون لدينا نزع من الزراعة والصناعة الخاصة بالبلد، اضف الى ذلك تأمين اقتصاد خدماتي منتج، وكل ذلك يتطلب حداً ادنى من البنى التحتية”، مشدداً على ضرورة تشجيع وتأمين التسهيلات للمنتِج المحلي على حساب المنتِج الخارجي.

وفي علاج الشق المالي، يشير د. مقلد الى انه يجب علاجه عبر الاستغناء عن الحاجة للدولار وذلك يكون اما عبر تخفيف الاستيراد وزيادة الانتاج، او التعقل في التسعير كما وضع ضوابط على السلع التي تخرج العملة الصعبة من البلاد.

ويتابع الخبير الاقتصادي: ما يمنع اتخاذ القرارات الاصلاحية مرده الى ان وراء كل قطاع جبهة سياسية كاملة تستفيد منه، ولهذه الجبهة السياسية مصالح مشتركة مع جبهات اخرى. والامثلة على ذلك كثيرة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كارتيل النفط.

يشير د. مقلد الى ان البلد امام خيارين فإما ان تتخلى الدولة عن بعض هامش الربح كي لا يدفع الناس الثمن، واما أن يدفع الناس الثمن، لأفتا الى انه هنا تكمن اهمية صندوق النقد الدولي، معلناً ان اول المطالبين بصندوق النقد الدولي هم اكثر الناس فساداً، نفوذاً والمشاركين الاساسيين في الموديل المالي الذي نحن فيه.

وعن سبب مطالبتهم الاستعانة بصندوق النقد الدولي، يوضح ان الصندوق سيطلب وضع سلسلة ضرائب قبل البدء بأي خطوة تكون في معظم الاحيان موجعة للناس، ليطلب بعدها رفع الحمايات، وصولاً الى الخصخصة. واذا بحثنا جيداً نجد ان القادرين على المشاركة في الخصخصة هم نفسهم الذين هرّبوا اموالهم الى الخارج ابان الازمة، وهم انفسهم الذين لديهم الطائفية والمذهبية، نضيف عليها انهم ازيلوا من القطاع العام ولكنهم سيتملكون جميع القطاعات الحيوبة مثل الكهرباء والهاتف وما الى ذلك في البلد عبر الخصخصة”. ليختم قائلاً: لا يظنّن احد ان صندوق النقد الدولي سينقذنا من هؤلاء الاغوال، على العكس هو آتٍ لتكريسهم علينا مرة أخرى.

وفي موضوع سندات اليوروبوندز، يشير د. مقلد الى انه لو بدأ النقاش منذ فترة في الموضوع لكنا امام خيارات عديدة منها ال SWAP او حتى التأجيل ضمن اتفاق. الا ان حرق الوقت بهذه الطريقة افقدنا هامش المناورة. ويقول: حتى ما طرح حول استرداد سندات اليوروبوندز التي بيعت والتي اسميها “تأجير”، تم الاحتيال علينا به. فاليوم الوقت ضيق وهذا الاحتيال سينقلب علينا.

ويضيف: “حتى الساعة لم يتم تحديد ما هي الاجراءات الواجب اتخاذها في حال لم ندفع، او حتى اذا دفعنا ما الذي يجب القيام به وما هو المبلغ الذي يجب ان ندفعه”. واوضح “كل هذا يظهر ان حجم الارباك في الادارة استثنائي، فمنذ شهر ونصف كانت الحكومة السابقة تقول ان لديها الحل لسندات اليوروبوندز وتبين لنا انه لا حل لديها، وهذا الارباك ليس ناتجاً عن جبن بل هو ناتج عن حجم المصالح بين الدولة والمصارف. فلا يمكن تصديق انهم لا يملكون الحلول ولكنهم يتذرعون بغياب الحل من اجل عدم المساس بأموالهم الخاصة، واذا وصلنا الى يوم الاثنين 9 آذار من دون موقف ولم ندفع ولم يكن لدينا خطة لليوم الثاني فإن صندوق النقد الدولي يصبح أمراً واقعاً وعندها لن يكون السياسيون جاهلين ومربكين بل سيكونون مدركين تماماً لما يقومون به”. ومن تداعيات عدم الدفع بحسب د. مقلد “استحقاق كل السندات، تراجع التقييم ما يؤدي الى ارتفاع الكلفة التي ستدفعها المصارف من اجل فروعها وودائعها الخارجية”.

ويضيف: “لا يزال لدينا متوفرا من الوقت لنقاش حقيقي من اجل التبادل او تأجيل الدفع لنتنفس الصعداء قليلاً ونفكر في الخطوة التالية”.

ويعتبر د. مقلد انه “لو لم نحرق كل الوقت دون ان نستخدم الاوراق التي بحوزتنا، لكنا تمكنا من استغلال الغلطة المميتة التي ارتكبتها المصارف (تأجير وبيع السندات) لنستفيد منها كدولة ونحولها الى فرصة لتأجيل هذه الاستحقاقات لسنتين على حسابهم وليس على حسابنا، الا اننا لم نستفد من ذلك ويوم قررنا ان نطرح طرحنا هذا كان السحرقد انقلب على الساحر”.

وحول تأثير دفع سندات اليوروبوندز على الوضع المالي للبلد، يقول مقلد: “حتى اللحظة لا تداول رسمي بأرقام الاموال الموجودة لدى الدولة، الا ان الرقم الرسمي الموقع والمعلن والمذكور على الموازنات يظهر موجودات بقيمة ثلاثين مليار دولار لدى المصرف المركزي”.

ويضيف: “في نظرة الى تاريخ لبنان في الثلاثين سنة الاخيرة، نرى اننا مررنا في ثلاثة ازمات كبرى كان الاحتياط فيها سلبياً فلحظة اغتيال الرئيس الرحل رفيق الحريري كان الاحتياط ناقص 3 مليارات، وفي حرب تموز 2006 كان الاحتياط ناقص 5 مليارات، اما ابان اعتقال الرئيس سعد الحريري في السعودية فكان الاحتياط ناقص 800 مليون دولار، ورغم كل ذلك استمر البلد، اذا من يعرف لبنان يعرف انه بوجود احتياط يقدر بتسعة مليارات دولار اضافة الى ودائع الزامية بقيمة واحد وعشرون ملياراً مجمدة لمدة 14 شهراً، يدرك ان الوضع المالي ليس في الويل”.

ويتابع: “اليوم ورغم كل حراجة الوضع لا زال لدينا امكانات مالية فعلية تخولنا اولاً ادارة الازمة بشكل افضل بكثير من الذي تدار به اليوم، وثانياً تسمح لنا بتكوين خميرة معينة ننطلق منها من اجل معالجة هذه الازمة”.

ويؤكد مقلد ان “كل التقارير الفعلية التي تتكلم عن حاجة البلد للخروج من ازمته وتغيير بنيته اكدت الحاجة الى 10 مليارات دولار فقط لا غير”.

مقلد الذي يرى انه من غير المقبول استمرار المصارف في تشديد اجراءاتها في التعاطي مع صغار المودعين بالمقارنة مع السيولة الموجودة وتهريب الاموال الذي حصل. يقول: “اليوم من يدفع خوّة على وديعته يعطونه اياها نقداً او يحولونها الى احد حساباته في الخارج اي ان حجم التحويلات هو بمعدل يومي يقارب الخمسين مليون دولار مستمر منذ اربعة اشهر الامر الذي ينفي وجود مشكلة في السيولة”.

اما بالنسبة لل HAIRCUT، فيوضح الخبير الاقتصادي انه “تطرح قضايا عديدة اليوم ولكن من دون رؤيا وبالتالي فإن افضل اجراء قد يتحول الى الاسوأ وبالعكس وذلك انطلاقاً من كيفية خدمته للخطة المطروحة سلباً او ايجاباً. فاليوم نحن امام نظريات واقتراحات لا نعرف الهدف منها او الى اين ستوصل. من هنا نسأل هل المطلوب هو ال HAIRCUT؟ نحن اليوم نتكلم عن حجم تردد مالي ضخم فاصحاب الودائع هم أنفسهم اصحاب القروض من هنا يجب دراسة الوضع بتأن اكثر لمعرفة مدى تأثير الاجراءات على مختلف شرائح المجتمع”.

ويلفت د. مقلد الى اننا امام خيارين لا ثالث لهما فإما ان نذهب الى برنامج لصندوق النقد الدولي باتت شروطه واضحة، او نتجه الى خطة وطنية لا زالت ملامحها لم تتبلور بعد”. ويقول: “كل ما يمكنني ان اراه هو المزيد من الاجراءات الضريبية اما بالنسبة للاجراءات الاصلاحية العلاجية فإن بدايتها لا تزال مبهمة وضبابية”.

اذاً ندفع او لا ندفع وما مصير تصنيفنا الائتماني؟ اسئلة تبقى رهن قرار الحكومة وان 9 آذار لناظره قريب.

مقلد 2


مواضيع ذات صلة:

  1. منتدى ″ريشة عطر″ يكرم الزميلة حسناء جعيتاني سعادة… ديانا غسطين

  2. نواف الموسوي لـ″سفير الشمال″: إستقالتي من النيابة لا تعني إعتزالي السياسة!… ديانا غسطين

  3. مجزرة اهدن.. يوم أزهرت دماء الشهداء فأثمرت مسامحة… ديانا غسطين


 

Post Author: SafirAlChamal