الحريري في ذكرى والده: إختراع الخصوم وانفضاض الحلفاء… عبد الكافي الصمد

طيلة السنوات الـ15 الماضية، حرص الرئيس سعد الحريري في الخطاب الذي يلقيه عادة في ذكرى اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، التي وقعت في 14 شباط 2005، على توجيه خطاب إنتقادي حاد، يكون نارياً غالب الأحيان، باتجاه خصم سياسي معين تستدعي المناسبة والظروف السياسية أن يكون في مرمى سهام الحريري، لأهداف وغايات مختلفة.

من يراجع خطابات الحريري الـ14 السابقة لا يخرج عن هذا الإستنتاج والخلاصة إلا نادراً، فمن النظام السوري إلى حزب الله اللذين اتهمها الحريري باغتيال والده، قبل أن يحول سهامه باتجاه قوى الإرهاب في مناسبات معينة، لم يجد الحريري “خصماً” يخترعه ويجعله محور خطابه هذه المرة، ويشدّ به عصب جمهوره وشارعه السنّي، الذي يعاني من تراجع شعبيته فيه بشكل غير مسبوق، سوى حليفه السابق وشريكه في التسوية الرئاسية رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، إلى حد أن الحريري بدا هذه المرة وحيداً بلا حلفاء، وضعيفاً بالكاد استطاع أن يحشد جمهوره لملء باحة قصره بوسط بيروت.

خطاب الحريري الأخير وُصف بأنه شعبوي، أكثر منه واقعي أو يعبر عن قراءة سياسية واضحة للمرحلة المقبلة، أو أنها ترسم خارطة طريق لزعيم التيار الأزرق، الذي أراد من الخطاب القول إنه “ضمانة” لبنان من جهة، و”زعيم المعارضة” السياسية من جهة أخرى، إنما لمواجهة العهد ورئيس الجمهورية ميشال عون وصهره باسيل، “رئيس جمهورية الظل” كما وصفه، وليس الحكومة ورئيسها حسان دياب.

اعتبار الحريري نفسه “ضمانة” لبنانية من أجل الحصول على مساعدات من دول الخليج، أو من الدول المانحة وفق ما أقره مؤتمر سيدر، يدرك الحريري قبل غيره أن هذه الضمانة لم تعد قائمة، وأن المكانة المتميزة التي كان يتمتع بها هناك، والتي ورثها عن والده، لم تعد قائمة، ولعل احتجازه في السعودية لمدة أسبوعين في عام 2017 دليلاً على تراجع أسهمه وحضوره وتأثيره في بلاط الحكم في المملكة، وبالتالي فإنه يتحدث عن “ضمانة” يحتاجها لنفسه وليس تقديمها للآخرين.

أما تقديم الحريري نفسه في خطاب 14 شباط على أنه زعيم المعارضة في مواجهة السلطة، أي العهد قبل الحكومة، فهو تقديم لا يبدو واقعياً، لأن المعارضة التي يريد ترؤسها لهذه الغاية ليست متضامنة معه ولا واقفة خلفه، ولا هي موحدة، وإن محاولته إحياء فريق 14 آذار من جديد تبدو مستحيلة، ومجرد سراب لا يمكنه الإمساك به.

في العامين الأخيرين تحديداً تفرّق شمل المعارضة، وخصوصاً أركانها الثلاثة تيار المستقبل والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي. فالتيار الأزرق عدا عن الأزمات الداخلية التي يعانيها، فإنه يعاني تراجعاً شعبياً حاداً عبّر عن نفسه في الإنتخابات النيابية الأخيرة، ومحاولة الحريري رمي مسؤولية فشل إدارة البلد وإفلاسه على الآخرين، وكأنه كان موجوداً بصفوف المعارضة وليس في السلطة، خطابٌ لا ينسجم مع نفسه.   

أما القوات اللبنانية، فإن الشرخ الذي أحدثته الإستشارات النيابية الملزمة في 16 كانون الأول الماضي عندما أعلنت أنها لن تسمي الحريري رئيساً مكلفاً، بإيعاز سعودي وأميركي، فإنه لم يلتئم بعد، إذ ما تزال إتهامات الخيانة والغدر والطعن في الظهر حاضرة في أذهان القواتيين. في حين أن الإشتراكي الذي يضع قدماً في السلطة وأخرى في المعارضة، فإن التعويل عليه خاسر سلفاً.

كل ذلك يجعل خطاب الحريري إبن ساعته، ومفاعيله إنتهت فور خروج الجماهير من باحة بيت الوسط، أما كيف سيتعايش الحريري مع المرحلة المقبلة فتلك مسألة أخرى.


مواضيع ذات صلة:

  1. خلاف المستقبل ـ القوات: حكومة دياب المستفيد الأوّل… عبد الكافي الصمد

  2. الباب السّوري مخرجٌ لأزمات لبنان الإقتصادية.. هل تطرقه حكومة دياب؟… عبد الكافي الصمد

  3. مشاركة المستقبل في جلسة الموازنة ″سرّ″ غياب المحتجّين؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal