أفيوني لـ″سفير الشمال″: علينا التفاوض مع صندوق النقد والدول المانحة على تمويل خطة إنقاذ واضحة

رأى الوزير السابق عادل أفيوني أن لبنان يحتاج الى برنامج شامل ودعم مالي من صندوق النقد الدولي بمشاركة دول مانحة وصديقة لتمويل كلفة الانقاذ، مؤكدا أن هذا لا يعني أن نخضع لشروط صندوق النقد بل على العكس، يجب ان نضع خطة شاملة بانفسنا وان نقدمها وان نتفاوض مع صندوق النقد ومع الدول الصديقة على تمويل الخطة وان نثبت مصداقيتنا وجديتنا في تنفيذ هذه الخطة وعندها ممكن ان نحصل على شروط للتمويل تناسبنا ومقبولة وتحمي الطبقات الافقر وتصون استقلاليتنا وهذا ممكن اذا وضعنا خطة واضحة ومقنعة وتفاوضنا على اساسها.

كلام الوزير أفيوني جاء خلال حديث لـ″سفير الشمال″ جاء فيه:

سئل: هل دخلنا مرحلة الانهيار الفعلي وصولًا نحو الإفلاس؟

أجاب: نعاني من أزمة خانقة ومتشعبة بدأت منذ سنوات وتسارعت بشكل حاد مؤخراً، فالحركة الاقتصادية سيئة ومئات المؤسسات تغلق ابوابها والبطالة مستفحلة وقدرة المواطن الشرائية تتراجع بفعل التضخم وانهيار سعر صرف الليرة.

واخطر نتيجة لهذا الانهيار الاقتصادي هو الانعكاسات الاجتماعية الحادة وتفاقم الفقر بشكل مخيف وظهور ما اسميه طبقة الفقراء الجدد الذين فقدوا عملهم أو مورد رزقهم ولا يستطيعون الوصول إلى مدخراتهم في المصارف وهذه الظاهرة قنبلة اجتماعية موقوتة ستهدد الأمن الاجتماعي وكيان الوطن ولذلك أنا احذر دوما من ثورة الجياع القادمة لان وضع المواطن اللبناني لم يعد يحتمل.

في هذا الجو، الدولة اللبنانية اليوم تدفع ثمن عجزها لسنوات عن ايجاد حل مستدام وجذري لمشكلة العجز المالي في موازنتها وللاستدانة المفرطة التي اعتمدت عليها لتمويل هذا العجز على مدى عقود وهذا ما كنت أحذر منه باستمرار في الاجتماعات وفي أحاديثي بالاقتصاد ولكن للأسف لم يتم تنفيذ اي خطة تصحيح مالية بل بالعكس استمر العجز والدين العام بالتفاقم الى نسب قياسية بكل المعايير العالمية.

والنتيجة ان الدولة اللبنانية اليوم فقدت نهائياً ثقة المستثمرين ورؤوس الأموال بقدرتها على التصحيح المالي وهذا انعكس انهياراً حاداً في أسعار السندات السيادية اللبنانية وارتفاعاً غير مسبوق في الفوائد على الدين اللبناني وبالتالي عملياً هناك استحالة على الدولة في تمويل حاجاتها بالعملة الصعبة في الاسواق المالية وتوقف حاد في تدفق الرساميل من الخارج الى المصارف وشح في الدولارات المتوفرة في السوق.

اذاً الدولة اللبنانية اليوم عملياً عاجزة عن تمويل حاجاتها بالدولار من خدمة الدين الى استيراد المواد الاساسية الا عبر استخدام احتياطي البنك المركزي وهذا امر خطير وغير صحي ولا يمكن ان يستمر خاصة اننا نعاني من شح في الدولار واحتياطي البنك المركزي الى انخفاض بسبب ذلك وهو في النهاية ليس ملك الدولة ولا ملك البنك المركزي بل هو عملياً ملك المودعين ويجب المحافظة عليه.

لذلك، المطلوب خطة انقاذ شاملة وجذرية من أولوياتها حماية الودائع والمحافظة على الاحتياط وتأمين تمويل حاجات الدولة بالعملة الصعبة بعيداً عن استخدام احتياطي البنك المركزي.

سئل: ما هي التدابير السريعة التي يمكن ان تتخذ للانقاذ؟

أجاب: سياسة ربح الوقت لم تعد مقبولة والحلول بالقطعة لم تعد تجدي، والمطلوب خطة مالية اقتصادية شاملة تعالج مكامن الازمة كافة لانها متشابكة ومعقدة، واهم الأولويات التي اقترحها هي التالية:

ـ معالجة وضع الدولة المالي، ومعالجة الاستحقاقات القادمة وخاصة استحقاقات اليوروبوند، واعادة هيكلة الدين العام للوصول الى مستوى في الدين العام مستدام والى كلفة لخدمة الدين العام ممكن تغطيتها والى عجز مالي سليم ومعقول بالمعايير العالمية يستحوذ على ثقة المستثمرين ويستعيد قدرة الدولة على التمول.

ـ معالجة الازمة المصرفية وإصلاح ميزانية المصارف وإعادة هيكلتها ورسملتها وتحجيم القطاع المصرفي الى مستوى يتناسب مع حجم الاقتصاد اللبناني وحماية صغار المودعين في المصارف مهما كان الثمن وتفعيل الهيئات الرقابية المصرفية وشفافيتها .

ـ تحفيز الحركة الاقتصادية وإطلاق الجزء الحيوي الاساسي من مشاريع سيدر لتفعيل الحركة الاقتصادية وخلق فرص عمل ومحاربة الركود الاقتصادي القاتل.

ـ بناء نموذج اقتصادي جديد وعصري يعتمد على القطاعات الإنتاجية ويحد من الاعتماد على الاقتصاد الريعي ويعالج العجز المزمن في الميزان التجاري وانعكاساته السلبية على استقرار سعر الصرف وعلى مالية الدولة.

ـ وضع شبكة حماية اجتماعية لحماية الطبقات الافقر بأسرع وقت ومساعدتها على مواجهة تبعات الازمة الاقتصادية الحادة من مكافحة الفقر والبطالة وتأمين التغطية الصحية وضمان الشيخوخة الخ.

طبعاً هذه الخطة لن تنجح ولن تكون لها المصداقية اللازمة بدون اصلاحات بنيوية في الدولة والقطاع العام واهمها محاربة الفساد واستقلالية القضاء وإصلاح القطاعات العامة الحيوية مثل الكهرباء والاتصالات وترسيخ مبدأ الحوكمة والمحاسبة على كل المستويات.

والاهم ان خطة الانقاذ هذه وكل الاجراءات الضرورية المذكورة لها كلفة باهظة لم يعد لدى الدولة قدرة على تمويلها عبر الاسواق المالية او عبر تدفق الرساميل الى لبنان.

انا اقدر ان الكلفة المطلوبة والأولية لخطة الانقاذ هي على الأقل 20 مليار دولار وربما اكثر وضروري تأمين تمويل الخطة، والا لن يكون لها اي مصداقية، وضروري ان تتوزع هذه الكلفة بطريقة عادلة وان نحمي الطبقات الأفقر من اعباء هذه الكلفة بأي ثمن.

لذلك لا مفر برأيي من دعم مادي خارجي من الدول المانحة ومن المؤسسات الدولية لتغطية جزء اساسي من الكلفة المترتبة من خطة الانقاذ. كما من الضروري ان نشدد اننا بحاجة لسيولة من الخارج بالعملات وليس فقط الى تمويل داخلي. اذاً الضرائب الداخلية على الثروة او على كبار المودعين وأي من حلول التمويل الداخلية المقترحة لن تكفي لتغطية كلفة الانقاذ فنحن سنحتاج حتماً الى دعم خارجي مالي وسيولة خارجية.

وختاماً لا خطة انقاذ ممكنة ولا مصداقية لخطة الانقاذ اذاً لم تقدم الحكومة تصور واضح وشفاف لكيفية تمويلها.

سئل: هل تعتقد ان الحكومة الجديدة قادرة على احداث صدمة ايجابية؟

أجاب: من السابق لأوانه ومن غير العدل إطلاق الأحكام الآن. الأكيد انه من مصلحة لبنان ومصلحة الشعب وبعيداً عن اي اعتبارات او حسابات سياسية ان تتمكن هذه الحكومة من مواجهة الازمة وتجنب الانهيار بنجاح، وحتى الان لم تعط الحكومة بعد تفاصيل كافية عن خطتها ونحن بانتظار التفاصيل للحكم والعبرة طبعاً بالتنفيذ.

سئل: كيف يمكن مواجهة ارتفاع سعر الدولار لدى الصرافين؟

أجاب: هذا موضوع شائك يخضع لحركة العرض والطلب، ونحن بلا شك نواجه أزمة شحّ في عرض الدولار بسبب توقف تدفق الدولار من الخارج وبنفس الوقت هناك طلب قوي على الدولار واحتياطي مصرف لبنان غير قادر حالياً على سد العجز بين العرض والطلب بشكل كاف ما عدا المواد الاساسية. هذا ما يفسر تدهور سعر الليرة لدى الصرافين.

المطلوب تغيير جذري في النموذج الاقتصادي اللبناني وتشجيع القطاعات الانتاجية المحلية القادرة على التصدير على ان يترافق ذلك مع خطة لاستقطاب وتشجيع الاستثمارات الخارجية المباشرة وتحفيز السياحة وبشكل مواز المطلوب الحد من الاعتماد على الاستهلاك والاستيراد من الخارج. هذه العوامل هي التي تساهم في دعم سعر الليرة وتحقيقها يتطلب اصلاحات هيكلية اقتصادية وطبعاً يتطلب وقت. اما النموذج الماضي الذي يعتمد على تثبيت سعر الليرة عبر الفوائد العالية فقد ولى الى غير عودة ولم يعد ممكناً الاستمرار به نظراً لكلفته العالية على الدولة وعلى الاقتصاد وعلى المواطن.

سئل: هل الاستعانة بصندوق النقد الدولي مفيدة ام ان إجراءاته او طلباته غير قابلة للتنفيذ؟

أجاب: ما هو حتمي هو الحاجة الى تمويل خطة الانقاذ من مصادر خارجية كما ذكرت اعلاه. ومن المعروف ان الدول المانحة لا تدعم مالياً دولة تعاني ازمة مالية مثل لبنان بدون غطاء ومساهمة مهمة من صندوق النقد الدولي. اذاً برأيي هناك حاجة لبرنامج شامل ودعم مالي من صندوق النقد بمشاركة دول مانحة وصديقة لتمويل كلفة الانقاذ ولا اعتقد ان هناك حلولا تمويلية اخرى واقعية وعلينا ان نصارح المواطنين بذلك.

وهذا لا يعني ان نخضع لشروط صندوق النقد بل بالعكس، يجب ان نضع خطة شاملة بانفسنا وان نقدمها وان نتفاوض مع صندوق النقد ومع الدول الصديقة على تمويل الخطة وان نثبت مصداقيتنا وجديتنا في تنفيذ هذه الخطة وعندها ممكن ان نحصل على شروط للتمويل تناسبنا ومقبولة وتحمي الطبقات الافقر وتصون استقلاليتنا وهذا ممكن اذا وضعنا خطة واضحة ومقنعة وتفاوضنا على اساسها.

اما القفز في المجهول وبدون خطة انقاذ مالي اقتصادي شاملة وعلمية فعواقبه وخيمة على الكل بدون استثناء.

Post Author: SafirAlChamal