تلفزيون المستقبل بلا أخبار.. والحريري بلا سلاح… عبد الكافي الصمد

ليس أمراً عابراً ولا طبيعياً أن تغيب نشرات الأخبار عن شاشة تلفزيون المستقبل، بسبب الإضراب الذي ينفذه العاملون فيه إحتجاجاً على عدم دفع رواتبهم ومستحقاتهم منذ أشهر، ما جعل الشاشة الزرقاء تواجه أزمة وجودية لم تعترضها منذ إنشائها عام 1993.

وإذا كانت الأزمة في الشكل هي أن غياب نشرات أخبار تلفزيون المستقبل جاء نتيجة أزمة تمويل غائب جعلته عاجزاً عن دفع رواتب موظفيه، فإن الأزمة الحقيقية في مكان آخر، وهي تعكس أزمة بنيوية تعاني منها المرجعية السياسية المشرفة على التلفزيون، المتمثلة بالرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل، منذ فترة ليست قصيرة، وأن عدم التوصل إلى حلول وغياب أي رؤية واضحة للخروج من الأزمة، أوصل الأمور إلى ما هي عليه مؤخراً.

أزمة تلفزيون المستقبل غير المسبوقة، جعلت أسئلة كثيرة تطرح حول مصيره ومصير العاملين فيه، وهل أن الأزمة الحالية ستجد مخرجاً لها، أم أنها ستبقى تراوح مكانها، وصولاً إلى الأسوأ، وهو إغلاق التلفزيون كما سبق وأغلقت قبله جريدة المستقبل مطلع شهر شباط الماضي، ما سيُفقد التيار الأزرق ورئيسه أسلحتهم الإعلامية، سواء في مواجهة خصومهم أو في شحن وشدّ عصب جمهورهم؟

لا يُحسد الحريري على ما وصل إليه هذه الأيام. فهو منذ عودته من السعودية “مكسور” الجناح، يمشي في مسير سياسي ومالي إنحداري، ويشهد تراجعاً سياسياً وشعبياً لافتاً لم يعد خافياً على أحد؛ من تكبّده خسارة في الإنتخابات النيابية جعلت كتلته النيابية الزرقاء تفقد قرابة ثلث أعضائها، وتشكيله حكومة بعد عناء طويل خرج منه وليس له اليد العليا فيها، وخسارته حلفائه واحداً تلو الآخر، مقابل تحالف سياسي جديد أضحى أسيره، وصولاً إلى الشلل الذي تعاني منه الحكومة بسبب أحداث عالية، والتي جعلته مكبّل اليدين وفاقداً أي مبادرة للحلّ.

قد يقول قائل من مناصري الحريري وتياره، أن والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري عندما جاء إلى السلطة في لبنان عام 1992، لم يكن يملك أي وسيلة إعلامية، لا تلفزيون ولا إذاعة ولا جريدة ولا موقع على شبكة الإنترنت، ومع ذلك فإنه حقق حضوراً سياسياً طاغياً، وتبوأ الصدارة في مختلف الوسائل الإعلامية، وأن نجله يستطيع اليوم تحقيق ذلك، خصوصاً أن الوسائل الإعلامية المحسوبة عليه أصبحت عبئاً وليس عوناً له.

الردّ على هذا الكلام لا يحتاج إلى جهد كبير، فالحريري الأب عندما جاء إلى لبنان قبل أكثر من ثلاثة عقود ونيّف، كان يحظى بدعم سياسي ومالي ضخم، عربي ودولي، يفتقده نجله اليوم، وحظي الأب بهالة إعلامية كبيرة لا يمتلكها وريثه السياسي، وإذا ما أراد الحريري الإبن اليوم إستعادة بعض حضور والده السياسي والإعلامي، فإنه سيفتقد الزخم الذي ناله والده، وسوف يتعرض لابتزاز سياسي ومالي كبير إذا ما أراد “تكبير” حضوره إعلامياً في بقية محطات التلفزة، ويكفي في هذا المجال الإشارة إلى أن هذه المحطات إذا استضافت شخصيات لا تواليه سياسياً، وغيّبت مناصريه، فإن ذلك يكفي كي يصبح الحريري مكشوفاً وفي مرمى سهام أغلب خصومه، القدامى منهم والجدد.

اليوم، وبعد قرابة ربع قرن على ولادة تلفزيون المستقبل وقوننة بقية محطات التلفزيون وفق محاصصة طائفية ومذهبية، يتبين حجم الخطأ الذي جعل هذه المحطات أسيرة مرجعيات وقوى وشخصيات سياسية معينة، بدل أن تكون مؤسسات إعلامية بكل معنى الكلمة، لأنه بصعود وقوة حضور هذه المرجعيات تقوى هذه المحطات التلفزيونية ويتعزز وضعها، ولكن إذا ما تراجعت فإن إنهياراً ينتظرها قد يُحوّلها مع مرور الزمن إلى أطلال.


مواضيع ذات صلة:

  1. الحريري وأزمة الحكومة: ″إعتكاف″ لا استقالة… عبد الكافي الصمد

  2. مأزق الحكومة يزداد تعقيداً.. وخيارات الحريري ضيقة… عبد الكافي الصمد

  3. جهاد العرب وراء ″سرّ″ مكب نفايات الفوّار؟…عبد الكافي الصمد 


 

Post Author: SafirAlChamal