متى ستتوقف المجازر البيئية بحق ″أبو علي″ والكورنيش البحري؟… عزام ريفي

نتكلم عن ″الاتيكات″ في مجالسنا رافعي الرأس، ونتفاخر بأصولنا وأجدادنا، فنحن من صنعنا الحرف، ونحن الفينيقيون، والحضارة بدأت من عندنا، و″اللبناني بيجي واقف كيف ما وقع″.. نتكلم عن غيرنا من الشعوب بفوقية، وكأننا أفضل شعب في العالم أو شعب الله المختار، وفي بلدنا صور مقرفة تقشعر لها الأبدان، يمكنك أن تشتم رائحتها الكريهة بمجرد النظر اليها، صور لأماكن شوهتها أيدينا، صور لا تعبر سوى عن شعب كثير الكلام والتفاخر، ولكن لا علاقة له بالحضارة والتحضر لا من قريب ولا من بعيد.

هذه الصور ليست لمكب نفايات، بل هي صور لأماكن عامة، ومرافق سياحية في مدينة طرابلس، ظلمها سكانها، بتركهم ورميهم أوساخهم على الأرض، غير آبهين عن الأضرار التي يمكن أن تنتجها هذه الأفعال، ان كان على صعيد صحة المواطن ونظافة الهواء، أو على صعيد تشويه صورة المكان.

هي مجزرة بحق الطبيعة وبحق مدينة طرابلس، أن يكون نهر أبو علي الذي ينبع من قمم الأرز في السلسلة الغربية لجبال لبنان، وتحديداً من مغارة قاديشا، في سفوح القرنة السوداء، التي تقع على المنحدر في نقطة متوسطة بين غابة الأرز ومدينة بشري، حيث يتدفق النهر من المغارة بمياه رائقة، باردة، منعشة، نقية وينحدر في وادي قنوبين، ويعبر العديد من المناطق ليصل إلى طرابلس، حتى يتحول النهر الى مكب للنفايات، وتتحول مياهه النقية الى مياه بنية اللون، شنيعة المنظر، تفوح منها رائحة كريهة لا تطاق، تحمل معها آلاف الفيروسات والميكروبات، وأمراض قد تكون مسرطنة.

عدا عن كورنيش الميناء المستحدث والمتجدد، والتي تفوق كلفته 17 مليون دولار، والذي اذ تأملته رأيت فيه مواصفات عالمية، ووجدت فيه مكانا ملاءما للهروب من هموم وأعباء الحياة، ولإراحة العقل والنفس والروح، ومكانا مناسبا لتجمع العائلات، وممارسة رياضة المشي أو الهرولة أو ركوب الدراجة فضلاً عن نشاطات أخرى متعددة، خصوصاً في فصلي الربيع والصيف، لكن هذا الكورنيش يتجرد من جميع صفاته ويتحول الى مكان يحوي نفايات وأوساخ بمجرد أن تدوس أقدام الوافدين اليه، وتتشوه أرصفته وكأن اعصار نفايات مرّ عليه.

وكل هذه الأسباب تعود لانعدام ضمير البعض والذين مع الأسف يشكلون الأكثرية الساحقة من الناس، وانعدام الإحساس بالمسؤولية تجاه نظافة مناطقهم، والمحيط الذين يعيشون فيه، أو الأماكن التي يقصدونها، فالمشكلة الآن ليست في الدولة وفي المسؤولين، بل المشكلة تكمن في ثقافة المواطن اللبناني وطبعه وعاداته وتربيته.

ويأتي دور الدولة هنا لتفرض سلطتها وتضع قوانين صارمة تعاقب فيها كل من يرمي النفايات أو يتركها في أي مكان، وأن يطبق هذا القانون بجدية، لأنه اجرام بكل معنى الكلمة تجاه الطبيعة ولبنان، فليس هناك أهم من نظافة شوارعنا، وأماكننا العامة، ومرافقنا السياحية، التي تعكس صورة ايجابية لكل وافد، وثقافتنا كشعب، وطريقة عيشنا في بيوتنا، أما نهر أبو علي الذي يحتضر فقد آن الأوان للقاطنين حوله أن يشعروا بأهمية الحفاظ عليه نظيفا، كما آن الأوان لبلدية طرابلس أن تجد حلا نهائيا للاعتداءات المستمرة عليه.


مواضيع ذات صلة:

  1. إحذر أيها التلميذ… المكان مراقب بالكاميرات… عزام ريفي

  2. الشانفيل نحو تحقيق حلم التتويج باللقب عن طريق سلسلة تعاقدات نارية مبكرة… عزام ريفي

  3. كرة القدم اللبنانية في خطر.. هل يُعقل أن تكون هذه الصورة من الملاعب؟… عزام ريفي


 

Post Author: SafirAlChamal