برّي يرمي “طوق نجاة” للمسيحيين المعارضين فهل يلتقطونه؟.. عبدالكافي الصمد

لم ييأس رئيس المجلس النيابي نبيه برّي من دعوته الأطراف اللبنانية كافّة إلى الحوار للتفاهم والتوافق على إنتاج حلول للأزمات العالقة، وعلى رأسها أزمة الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية التي تقترب من عامها الثاني؛ ولعل يقين رئيس المجلس بأنّ لبنان بلد قائم على “الديمقراطية التوافقية” يجعله يدرك بأنّ الحوار، في نهاية المطاف، وبالتالي التوافق، هما المخرج الوحيد للبلد من أزماته، برغم كلّ الإعتراضات على “ديمقراطية توافقية” شلّت البلد وقسّمته طوائف ومذاهب ومصالح .. ومحاصصات.

منذ ولادة دولة لبنان الكبير عام 1920، وقبل ذلك أيّام القائمقاميتين والمتصرفية، لم يتمكن القائمون على شؤون الكيان الهجين من إقامة “نظام سياسي” قائم على القانون والعدالة والمساواة والكفاءة، وأن يكون الإنتماء إليه من قبل المواطنين مُقدّم على الإنتماء للطائفة أو المذهب أو المنطقة .. أو الزعيم.

لكن طيلة أكثر من قرن من الزمن مرّ على ولادة الكيان رسمياً، وقبله أيّام الوجود العثماني في المنطقة، كانت الديمقراطية التوافقية هي المخرج الوحيد للبلد من أزماته ومشاكله، وكان ذلك يتم ـ بمفارقة لافتة ـ برعاية خارجية تُترجم في الداخل، ما جعل اللبنانيين يلمسون ويتأكّدون عند كلّ أزمة أنّهم ليسوا قادرين على حكم أنفسهم وعلى اجتراح الحلول لمشاكلهم التي تتوالد كالفطر.

هذا المشهد السياسي العام لم يتغيّر طيلة العقود والسنين الماضية وصولاً إلى اليوم، وهو ما أدركه برّي العارف ببنية الكيان وبواطن النظام بأنّ غياب التوافق سيجعل أيّ أزمة تمتد لسنوات قبل أن يُبصر حلّها النّور.

قبل انتهاء ولاية الرئيس السّابق للجمهورية الرئيس ميشال عون في نهاية شهر تشرين الأول من العام 2022، سارع برّي إلى دعوة الأطراف للحوار بهدف التفاهم والتوافق على انتخاب رئيس جديد خشية الوصول إلى الفراغ كما حصل في نهاية ولاية الرئيس الأسبق ميشال سليمان عام 2014، عندما تعذر إجراء حوار والتوصل إلى توافق في تربّع الفراغ على كرسي الرئاسة الأولى في قصر بعبدا قرابة سنتين ونصف إلى حين التفاهم على انتخاب عون حينها رئيساً.

لكن تعنت البعض ورفض آخرين، وطموح أطراف وشخصيات وتدخّلات الخارج في الشّأن اللبناني، كما جرت العادة، إضافة إلى عدم توافق الخارج وتفاهمه على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، جعل أزمة الفراغ تمتد أكثر، ودفعت برّي إلى تعليق جلسات المجلس منذ الجلسة الـ12 التي عُقدت في 14 حزيران من العام 2023، أي قبل أكثر من سنة، مؤكّداً ومصرّاً بعد ذلك على أنّه لن يدعو إلى عقد جلسات إنتخابية ستتحول إلى جلسات هزلية قبل إجراء حوار وتفاهم وتوافق على انتخاب الرئيس العتيد.

أمس، وبشكل بدا فيه وكأنّه يرمي طوق النجاة لفرقاء في الداخل، أعاد برّي تجديد موقفه، عندما أكّد أنّه “يرفض دعوة النواب إلى الحوار أو التشاور بمن حضر”، مشدّداً على “التطلّع إلى إجراء حوار جامع، في ظلّ الظروف الإستثنائية التي يمرّ بها لبنان، ولا يتوخّى من دعوته كسر فريق أو عزله”، في إشارة ليس خافياً أنّه يقصد بها القوى المسيحية وتحديداً حزبي القوات اللبنانية والكتائب بالدرجة الأولى، والتيّار الوطني الحرّ تالياً، فهل يلتقط هؤلاء طوق برّي ويتجاوبون مع دعوته قبل فوات الأوان؟


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal