خاص ـ سفير الشمال
باتت العودة الى ما قبل 17 تشرين من العام 2019، حلما يراود كل اللبنانيين على إختلاف طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم السياسية وطبقاتهم الاجتماعية، بعدما أيقنوا أنهم كانوا ضحايا مؤامرة لبست ذات ليل خريفي لبوس ″ثورة″ صنعتها جهات سياسية داخلية وخارجية بالتكافل والتضامن ونفذها شعب طيب يتوق الى تغيير سلطة جاثمة على صدره منذ ثلاثين عاما، وقطف ثمارها إنتهازيون بدأت أقنعتهم تتساقط الواحد تلو الآخر.
يومها، أرادت الحكومة إضافة ستة دولارات أي تسعة آلاف ليرة فقط في الشهر الواحد على مكالمات تطبيق “واتساب”، فقامت الدنيا ولم تقعد ونزل اللبنانيون الى الشوارع وملأوا الساحات وأعلن النفير العام ودقت طبول الحرب على السياسيين “كلن يعني كلن”، وفُرض الحظر على كل من له علاقة بالسلطة من سياسيين الى حزبيين الى مؤسسات رسمية ومصارف، فتعطلت البلاد نحو 25 يوما بشكل كامل، تحت شعار إسقاط السلطة الحاكمة، وتم الاعتداء على الأملاك العامة وإحراق بعض المؤسسات المصرفية، وصولا الى مواجهات ضارية بين الثوار وبين القوى الأمنية ما أدى الى سقوط شهداء وجرحى يبدو أن دماءهم وإصاباتهم ضاعت بين التسويات والصفقات.
قبل يوم واحد من إنطلاق هذه “الهمروجة” كانت صفيحة البنزين بـ 23 ألف ليرة لبنانية، والمازوت بـ 14 ألفا، وقارورة الغاز بـ21 ألفا (واصلة الى البيت)، وكيلو اللحمة بـ 18 ألفا، والدجاج بـ 9 آلاف، وتعرفة الاتصالات إبتداءً من 20 ألفا للخطوط المسبقة الدفع، ومئة ألف أو أقل كحد وسطي للخطوط الثابتة.
وحينها كانت المستشفيات تستقبل المرضى والجهات الضامنة من ضمان إجتماعي وتعاونية موظفي الدولة وتأمين خاص ووزارة صحة يسارعون الى تسديد المبالغ المترتبة على المريض ما بين 80 الى 90 بالمئة، فيما كانت تعرفة السرفيس لا تتعدى الألف أو ألفيّ ليرة، والكهرباء متوفرة لـ 12 ساعة، وتعرفة إشتراك المولدات لا تتجاوز الـ 70 ألفا، وأدوية السرطان وغيرها من الأدوية المزمنة متوفرة في الصيدليات للميسورين وضمن مراكز الرعاية الصحية للمحتاجين، والخبز متوافر على أنواعه في المتاجر بسعر ألف ليرة للربطة الواحدة، فضلا عن إنتظام عمل مؤسسات الدولة وأجهزتها والمدارس والجامعات من رسمية وخاصة.
كل ذلك، أطاحت فيه ثورة إنفجرت غضبا على زيادة ستة دولارات على فاتورة الخليوي، وبدلت من مسار الواقع اللبناني الذي بدأ ينهار حتى وصل الى الدرك الأسفل من جهنم.
فجأة ومن دون سابق إنذار توقفت ثورة 17 تشرين وإنتقلت من الشوارع والساحات الى المكاتب والسفارات للبحث في كيفية تقسيم المغانم، فيما تُرك الشعب اللبناني يواجه الذل في كل مكان تطأه قدماه من المصارف التي حجزت على ودائعه وباتت تقنن له مصروفه الشهري، الى الطوابير على محطات المحروقات التي إزداد سعرها 30 ضعفا، وأصبح سعر الصفيحة الواحدة للبنزين أو المازوت أكثر من الحد الأدنى للأجور، الى الطوابير على الأفران وإرتفاع سعر ربطة الخبز التي تتناقص يوميا الى 18 ألفا، فيما بلغ سعر كيلو اللحمة 300 ألفا، والدجاج 240 ألفا، والخضار على سعر صرف الدولار الذي بلغ الثلاثين من دون سقف، وتلحق به منصة صيرفة على الدعسة، وغير ذلك كثير من فيض المعاناة والاذلال بتعطيل عمل المستشفيات وإختفاء كل أنواع الأدوية وتعزيز السوق السوداء لكل المواد، وجشع مافيات المولدات بتحول تعرفتها الى أرقام فلكية تبدأ بثلاثة ملايين ليرة لكل خمسة أمبير، إضافة الى تعطل مؤسسات الدولة فيما يبشر وزير التربية بأن إنطلاق العام الدراسي في الموسم المقبل بات صعبا للغاية.
بالأمس إزداد الطين بلة، برفع تعرفة الاتصالات على منصة صيرفة، فتحولت التسعة آلاف ليرة زيادة على الفاتورة في العام 2019 والتي زلزلت لبنان شعبيا من أقصاه الى أقصاه، الى 500 ألف كزيادة وسطية على كل فاتورة خليوي، من دون أن يحرك أي من الثوار ساكنا، بمن فيهم نواب الثورة الذين وصلوا على ظهرها، فيما حاول البعض القيام بتحركات مرفوضة شعبيا لجهة قطع الطرقات على المواطنين وتلويث الأجواء بإحراق الدواليب.
في كل يوم تزداد قناعة اللبنانيين بأن ثورة 17 تشرين كانت مطلوبة لنقل لبنان من ضفة العيش الكريم الى ضفة الانهيار الكامل والبطالة والغلاء والفقر والجوع والهجرة في مراكب الموت، وأن من خطط لهذه الثورة وروّج لها كان يتآمر على وطن وشعب بكامله، خصوصا أن الثورة أخمدت عندما حققت أهدافها وهي إذلال وقهر اللبنانيين، ومن يرى نتائجها اليوم من الانهيار الذي طال كل شيء الى سلوك بعض من ركبوا موجتها الى مجلس النواب، وفي نتائج الانتخابات التي أبقت القديم على قدمه مع بعض روتوش وديكور هو لزوم ما لا يلزم، يدرك أن 17 تشرين هو يوم المؤامرة التي أطاحت بلبنان!..
Related Posts