تأليف الحكومة.. أسير التناقضات النيابية!!… غسان ريفي

من إستمع الى بعض الكتل النيابية الأساسية في الاستشارات غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، يكاد يصدق بأن الزهد السياسي الذي أظهرته لجهة إعلانها عدم المشاركة سيساهم في تسهيل مهمة الرئيس ميقاتي بما يمكنه من تأليف سريع لحكومة تحظى بتوقيع رئيس الجمهورية لتباشر عملها في إستكمال مهمة الانقاذ التي جاءت من أجلها.

لكن في الواقع، يبدو أن الاختلاف جوهري في مواقف تلك الكتل حول شكل ومضمون ودور الحكومة العتيدة، ما قد يُصعّب على الرئيس المكلف عملية التأليف، خصوصا أن كل فريق سياسي يضمر غير ما يعلن، ويحاول الاستفادة من الظرف ومما تبقى من عهد ميشال عون لتحقيق بعض المكاسب التي تساعده في الحفاظ على نفوذه لاحقا.

ولعل التصريح المقتضب جدا من رئيس الحكومة بعد إنتهاء الاستشارات ورفضه الرد على أسئلة الصحافيين يعكس نوعا من عدم الإرتياح تجاه ما لمسه من تناقضات لا يمكن لأي كان أن يجمعها أو يستوعبها في حكومة واحدة، بل يبدو أن الأمر يحتاج الى معجزة تفضي الى إختراع حكومة ترضي كل الأطراف، في حين أن زمن المعجزات قد ولى.

اللافت أن الاستشارات النيابية قدمت نماذج عدة لا بد من التوقف عندها وأبرزها:

أولا: مجموعة التغييريين التي باتت أسيرة مواقفها وتحتاج الى من ينزلها عن الشجرة، وهي تراكم الاخفاقات الواحد تلو الآخر منذ دخولها مجلس النواب بفعل عدم توحدها على توجه واحد فضلا عن التباينات التي بدأت تظهر الى العلن في مقاربة الأمور الأساسية.

ثانيا: القوات اللبنانية التي توحي بأنها ولدت حديثا في العمل السياسي، ولم تكن شريكة في كل الممارسات التي أوصلت البلاد الى الدرك الأسفل من جهنم، وهي إختارت الأسهل في إعتماد المعارضة والمقاطعة علها بذلك تحصي مزيدا من الأخطاء للقوى السياسية الأخرى أو للحكومة مجتمعة لكي تتسلق على ظهرها بمواقف عالية السقف، أو ربما تنتظر إنهيار البلد بشكل كامل لتنفض يدها من المسؤولية التي يفترض بها أن تتحملها بفعل الوكالة الممنوحة لها من ناخبيها، والأمر ينحسب أيضا على حزب الكتائب، وعلى بعض النواب الذي يرفعون السقف من أجل شعبويات في غير مكانها وزمانها بينما اللبنانيون يفتشون عمن يضع حدا للأزمات المتوالدة التي ترخي بثقلها على يومياتهم.

ثالثا: القوى السياسية الراغبة بالمشاركة في الحكومة وتوحي بدعمها للرئيس المكلف، لكنها في الوقت نفسه تريد ثمن ذلك حصصا وزارية وازنة كما ونوعا.

رابعا: الحزب التقدمي الاشتراكي الذي لا يرغب بالمشاركة في الحكومة، لكنه أبقى موقفه ملتبسا لجهة المساعدة في عملية التأليف، وهو يعلم مسبقا بأن الوزيرين اللذين سيصار الى تسميتهما لن يكونا بعيدين عنه بعدما إختزل التمثيل الدرزي النيابي.

خامسا: تكتل لبنان القوي الذي أعلن رئيسه جبران باسيل بأنه لا يريد المشاركة في الحكومة، لكن هذا الاعلان يبقى ممنوعا من الصرف، خصوصا أن باسيل يعتمد في كل مرة هذا الأسلوب، ثم يستقوي بتوقيع رئيس الجمهورية للحصول على حصة وزارية وازنة وعلى حقائب سيادية وخدماتية تحت شعار المعايير والميثاقية، وتحت عنوان: “عدم المشاركة” لكي لا يلزم نفسه بأي مسؤولية تماما كما فعل في الحكومة المستقيلة.

سادسا: نواب كانوا أسرى مزايدات، فراحوا يُغرقون حكومة الأربعة أشهر بمطالب وطروحات تحتاج الى سنوات عدة لتنفيذها، وبعضها غير قابل للتنفيذ بفعل الظروف السياسية والواقع اللبناني، متناسين أن هناك مواطنين يفتشون عن ربطة خبز وعن دواء ولا يجدون فضلا عن حرمانهم من أبسط مقومات الحياة، في حين لم يتوان النائب فؤاد مخزومي عن إعلانه عدم المشاركة في الحكومة، في حين أنه فاز بمفرده ولا يحق له التمثيل، ولم يطلب أحد منه المشاركة في الحكومة.

من بين كل هذه التناقضات برز نواب يتعاطون بواقعية سياسية، وهم وضعوا أصابعهم على الجرح، معتبرين أن كل ما تم طرحه أو إشتراطه على الرئيس المكلف يبقى ثانويا أمام وجع اللبنانيين الذين يتطلعون الى حكومة تستكمل مسيرة وقف الانهيار وليس الى حكومة حصص وطموحات سياسية.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal