رسمت عظة بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي والتي ألقاها في الكاتدرائية المريمية بالعاصمة السوريّة دمشق يوم أمس الأول الأحد، خارطة طريق للوصول الى سوريا الجديدة التي يفترض أن تنهض بجهود كل مكوناتها وفقا لأحكام الدستور الذي يحمي الجميع ويحترم التعددية، ويؤكد على التعايش والمواطنة والديمقراطية وتكافؤ الفرص وإحترام حقوق الانسان.
تأتي أهمية هذه العظة التي يمكن وصفها بـ”التاريخية”، في زمانها ومكانها، فالزمان هو مرور أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد على يد فصائل هيئة تحرير الشام وإستلامها السلطتين السياسية والعسكرية، والمكان هو في قلب دمشق وفي كنيسة الصليب المقدس جارة الجامع الأموي وتحت مرأى ومسمع الفصائل حيث حرص البطريرك على رفع الصوت بالقول: “الكل يسمع”، واضعا خطوطا حمراء ليس من أجل المواجهة مع السلطة الجديدة، وإنما من أجل حماية الوطن السوري والحفاظ على تنوعه الذي يشكل مصدر غنى للمنطقة والعالم.
بكلمات مدروسة بعناية فائقة، ولهجة حاسمة، وحضور أرثوذكسي حاشد، وجه البطريرك يازجي رسائل واضحة في أكثر من إتجاه، أبرزها:
أولا: إن المسيحيين في سوريا ليسوا مع نظام بشار الأسد، بل هم مع الدولة السورية كائنا من كان رئيسها وسلطتها.
ثانيا: إن المسيحيين ليسوا ضيوفا على سوريا وليسوا وافدين، بل هم أهل وأصحاب الأرض يشاركون إخوتهم في الوطن الى أي طائفة أو مذهب إنتموا من أجل البناء وتوفير الحياة الكريمة لكل المواطنين بدون إستثناء.
ثالثا: إن المسيحيين هم مكوّن أساسي في سوريا وهم معنيون ببناء الدولة، وبالتالي فإنهم شركاء حقيقيون في الحكم الجديد من صياغة دستور البلاد في عملية وطنيةً شاملةً وجامعة، الى المشاركة في كل الاستحقاقات الأخرى المتعلقة بتشكيل المواقع الدستورية وبناء مؤسسات الدولة.
رابعا: إن المسيحيين في سوريا ليسوا ذميين ولا يطلبون الحماية من أحد لدفع الجزية (كما يرد في بعض صفحات التواصل الاجتماعي)، بل إن الدولة القوية والعادلة التي يطمحون الى بنائها مع شركائهم من باقي الطوائف والمذاهب هي التي تحمي جميع المكونات السورية وتؤمن لهم السلام والأمن والطمأنينة.
خامسا: دعوة الشعب السوري على إختلاف توجهاته الى التعاون مع السلطة والحكومة من أجل فتح صفحة جديدة قائمة على حرية التعبير والتضامن الوطني والتكافل المجتمعي بعيدا عن أي إستئثار أو هيمنة لأي جهة كانت.
يُدرك البطريرك اليازجي أن سوريا دخلت الى مخاض كبير جدا، قد يكون محفوفا بكثير من المخاطر قبل الوصول الى رسم صورة الدولة التي سوف تحكم، لذلك فقد حرص على إطلاق صرخة لكي تبقى الأرض السورية واحدة موحدة، بوحدة ترابها ووحدة قلوب أبنائها من كل الأطياف.
كذلك، فقد أكد البطريرك اليازجي أن المسيحيين يمدون أيديهم الى كل مكونات الوطن للوصول الى سوريا التي نريد وهي سوريا الدولة المدنية التي يتساوى الجميع فيها بالحقوق والواجبات، بما في ذلك الحفاظ على قوانين الأحوال الشخصية لكل مكوِّنٍ من مكوناتها، سوريا دولة المواطنة، سوريا دولة العيش المشترك والسِّلم الأهلي، سوريا دولة القانون واحترام الأديان، سوريا دولة احترام الحريات الجماعية منها والفردية، سوريا دولة الديمقراطية، سوريا دولة احترام حقوق الإنسان.
وأطلق البطريرك يازجي موقفا حاسما لجهة أن المسيحيين ليسوا للتجارة الاعلامية، قاطعا الطريق بذلك على كل المصطادين بالماء العكر، وقال بالفم الملآن نحن هنا، نحن أبناء الأرض السورية، وأن المسيحيين هم من تراب دمشق ومن أرز لبنان، ومن شموخ قاسيون ومن رحابة حمص وأصالة حلب، من نواعير حماه وهدير ينابيع إدلب، من بحر اللاذقية ومن فرات دير الزور. لسنا ضيوفًا في هذه الأرض، ولسنا أبناء اليوم ولا الأمس. نحن من عتاقة سوريا ومن ياسمين الشام.
Related Posts