بعد ساعات من دخول وقف إطلاق النّار بين لبنان وإسرائيل موضع التطبيق في الرابعة من فجر يوم أول من أمس الأربعاء، 27 تشرين الثاني الجاري، خرج رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وألقى كلمة بالمناسبة، خرج في نهايتها عن النص ليقول إنّ “البعض كان يراهن على فتنة في بعض المناطق، لكننا رأينا برغم صعوبة الأوضاع الإجتماعية إحتضان المواطنين لبعضهم البعض”.
ليس خافياً أنّ ميقاتي كان يقصد بالفتنة التي راهن عليها البعض، منذ اندلاع الحرب بين المقاومة والعدو الإسرائيلي في 8 تشرين الأوّل من العام 2023، هي الفتنة بين السنّة والشّيعة، وهي فتنة أبدى كثيرون خشيتهم منها نتيجة التحريض الواسع الذي انتهجه البعض في السّنوات الأخيرة، وجعل نسبة القلق ترتفع خوفاً من إشكالات قد تعيشها المناطق السنّية التي ستشهد موجة نزوح شرائح واسعة من المناطق الشّيعية إليها، على خلفية تعرض مناطق الشّيعة لعدوان همجي عليها من قبل العدو.
هذه الإشكالات رجّح البعض أنّها ستكون على شكل رفض المناطق السنّية إستقبال النّازحين الشّيعة لديهم، واحتمال قيام البعض بطردهم منها، مع ما سيرافق وسيعقب ذلك من تداعيات، ما سيؤدي إلى بروز فتنة لن يكون من السّهل معالجتها أو تجاوزها بسهولة في مرحلة لاحقة، مستندين بذلك إلى أجواء الإحتقان والتحريض المذهبي التي سادت، بنسب وأشكال مختلفة، بين أبناء الطّائفتين الأكبر في لبنان.
لكنّ المفاجأة التي حصلت وأصابت النافخين في بوق الفتنة بالخيبة، هي أنّ المناطق السنّية، وتحديداً الشمالية منها في طرابلس والمنية والضنّية وعكار، قد فتحت أبوابها على مصراعيها للنّازحين الذين توافدوا إليها من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وبيروت على شكل موجات بشرية كانت تكبر مع مرور كلّ يوم، خصوصاً في الأيّام الستين الأخيرة من عمر عدوان إسرائيل على لبنان، وهي الأيّام التي بلغت الحرب فيها ذروتها وارتكب فيها العدو كل يوم العديد من المجازر والجرائم التي فاقت كلّ تصوّر.
أحد أبرز هذه المفاجآت أنّ أهالي المناطق السنّية، بأغلبهم، إستقبلوا النّازحين (أصرّ كثيرون على وصفهم بالوافدين والضيوف وليس النّازحين) في منازلهم، ولم يفتحوا أبواب المدارس والثانويات والمعاهد كمراكز إيواء إلا بعد تعذّر العثور على منزل، لأنّ مراكز الإيواء غير مؤهّلة لاستقبالهم كونها غير مجهزة، فكان استقبالهم بالمنازل وفي الفنادق، واقتسموا لقمة الخبز معهم، حتى من قبل مواطنين يُعدّون من خصوم المقاومة سياسياً، خير دليل على وأد الفتنة في مهدها.
هذه الأجواء جرى التعبير عنها بوضوح بعد ساعات من توقّف الحرب، عندما كانت مراكز الإيواء تعجّ بعبارات وعبارات تركها خلفهم النّازحون تشكر الأهالي والبلديات والجمعيات والمرجعيات السّياسية فيها على كلّ ما قاموا به، وتؤكّد لهم أنّ بيوتهم في المناطق المتضرّرة ستكون مفتوحة لهم في أيّ حين يشاؤون، فضلاً عن إلتقاط أغلب النّازحين صوراً تذكارية مع الأهالي الذين استضافوهم في هذه المناطق، وهي صور ضجّت بها منصّات وسائل التواصل الإجتماعي، مرفقة بعبارات الشّكر والودّ.
Related Posts