ثلاثة تناقضات جوهرية وقع فيها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في حديثه الى الزميل ماريو عبود ضمن برنامج “جدل” على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال LBCI، وهو إجتهد خلال المقابلة القصيرة في التفتيش عن مبررات العدوان الاسرائيلي على لبنان وعما يمكن أن يقوم فيه العدو خلال الفترة المقبلة.
أولى هذه التناقضات، ما يتعلق برئاسة الجمهورية، حيث دعا جعجع الى “توقيع عريضة من ٨٦ نائبا تطالب رئيس مجلس النواب نبيه بري بعقد جلسة لإنتخاب الرئيس العتيد”، في الوقت الذي سبق وشدد فيه بري أمام عدد كبير من النواب الذين زاروه على أن “مرشحه ما يزال رئيس تيار المرده سليمان فرنجية، وفي حال قدم النواب مرشحا توافقيا يمتلك ٨٦ صوتا فإنه مستعد وبشكل فوري لعقد جلسة لإنتخابه”.
كذلك فقد تحدث جعجع بكثير من التهكم والاساءة عن نواب المعارضة، كونهم “لا يدعمون فكرته في توقيع العريضة”، بما يشكل نعياً لإمكانية تقدمه نحو زعامة المعارضه والتي عقد لأجلها معراب ١ ومعراب ٢، حيث شهد اللقاءان مقاطعة واضحة لنواب المعارضة رفضا لتحقيق هذا الحلم له.
والأسوأ من كل ذلك هو دعوته لانتخاب رئيس للجمهورية بمعزل عن المكون الشيعي بما يؤدي الى ضرب الميثاقية.
ثاني هذه التناقضات، هي تحميل جعجع حزب الله “مسؤولية الحرب الموسعة التي تشنها إسرائيل على لبنان بما حملته من قتل ودمار وتشريد بفعل حرب الاسناد التي أطلقها”، ومن ثم إعترافه بأن “هذه الحرب كان مخطط لها مسبقا بهدف تغيير الواقع القائم على الحدود”.
ثالث هذه التناقضات، هي إعلانه ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية وتبنيه بشكل كامل، ثم الحديث عن ضرورة الجلوس معه للاطلاع على برنامجه السياسي وكيفية مقاربته للقضايا الحساسة التي يعاني منها لبنان، وبذلك وضع جعجع العربة قبل الحصان، لجهة ترشيحه شخصية لا يعرف مشروعها السياسي، ما يؤكد أن ما يضمره في هذا الملف غير ما يعلنه، خصوصا بما يتعلق بطموحاته الرئاسية وفقا لنتائج الحرب التي يتوقع فيها هزيمة المقاومة.
من المستغرب أن جعجع تبنى الروايات الاسرائيلية بشكل كامل، حتى شعر البعض أنه يتحدث بلسان العدو، حيث تجاهل كل مصطلحات “العدوان والاعتداء والاحتلال والغزو ومحاولات التسلل”، ليعطي ما يقوم به العدو في الجنوب توصيف “التنظيف”، حيث إعتبر أن إسرائيل في مرحلتها الأولى قامت بتنظيف قرى الجنوب، تمهيدا للمرحلة الثانية التي بشّر بقرب إنطلاقها وتتعلق بإستمرار “التنظيف”، حتى نهر الليطاني.
لم يتوان جعجع عن التقليل من قدرات المقاومة التي تلحق بالعدو الخسائر اليومية بفعل عملياتها التي تتصاعد تدريجيا، معتبرا أنه “لم يخسر سوى سبعين قتيلا منذ بداية هذه الحرب” وهو رقم ربما يكون أقل بكثير مما إعترفت به إسرائيل التي تتكتم على خسائرها خوفا من غضب مجتمع الكيان، فضلا عن إمعانه في ضرب معنويات كثير من اللبنانيين، لمصلحة إظهار القوة الاسرائيلية التي برأيه لا يمكن لأحد الوقوف في وجهها وستكمل مخططها في التخلص من المقاومة وصولا الى تطبيق القرارات الثلاثة ١٥٥٩ و١٦٨٠ و١٧٠١.
وما يثير الاستغراب، هو أن جعجع رفض تحميل إسرائيل مسؤولية عدوانها على الجنوب والبقاع والضاحية، معتبرا أن ما تقوم به “ثقالة دم”، طارحا سؤالا حول، ماذا فعل حزب الله في الجنوب وسائر المناطق؟ ومقدما مقارنة غير متوازنة وربما ظالمة بين خسائر لبنان وخسائر إسرائيل بهدف تعزيز وجهة نظره التي تصب في النيل من المقاومة وصمودها.
لولا بعض “العيب والحياء”، لطلب جعجع صراحة الركون الى المطالب الاسرائيلية والاستسلام للعدو، لكنه في معرض حديثه أوحى بكل ذلك، وأكد أن “حزب الله سيخسر في النار وفي السياسة، وأن إسرائيل ستنسحب من لبنان عندما تحقق أهدافها، كونها ليس لديها أطماع”!!.
حاول جعجع التخفيف من وقع الاعتداء الاسرائيلي على السيادة اللبنانية في الانزال على شاطئ البترون وإختطاف القبطان البحري اللبناني عماد أمهز، محملا حزب الله مسؤولية ذلك لجهة ضرورة مراقبة إسرائيل والتصدي لها في البحر، ما أدخله في تناقض رابع، وهو أراد أن “يكحلها مع الجيش فعماها”، حيث وضعه في موضع “المتفرج الذي لا ناقة له ولا جمل في هذه الحرب التي لا علاقة له بها”.
لعل أفضل ما قاله جعجع في مقابلته هو أنه لا يريد الحرب الأهلية في لبنان ويرفضها بشكل كامل، لكن ربما سها عن باله أن كل ما صرّح به يصب في التمهيد لهذه الحرب.
Related Posts