بالرغم من المجازر اليومية التي ترتكبها بحق المدنيين في غزة وفي لبنان، فإن إسرائيل ما تزال بعد عام ونيف على طوفان الأقصى تعجز عن كسر إرادة المقاومة في غزة وفي لبنان، الأمر الذي يحول دون تحقيقها أهداف الحرب التي تستبدلها بأعمال القتل والتدمير الممنهج وتشريد الآمنين.
وإذا كان الميدان في غزة ما يزال مشتعلا بالمواجهات العسكرية التي تلحق الخسائر بضباط وجنود ودبابات وآليات العدو، فإن المشهد في لبنان دخل الى ما يشبه “الروتين” العسكري اليومي في غارات إسرائيلية من دون بوصلة وبلا أهداف على مناطق آمنة لا ينتج عنها سوى المجازر بحق الأبرياء وإسقاط الأبنية على رؤوس قاطنيها، يقابله صمود للمقاومة في منع جيش العدو من التقدم بإتجاه البلدات الأمامية جنوبا وإلحاق أفدح الخسائر بجيشه جراء إستهداف تجمعات الجنود على طول الحدود، والصليات الصاروخية اليومية التي تصيب أهدافها في المستوطنات والقواعد المصانع العسكرية ومراكز الأبحاث.
إذا، هو الاستنزاف بعينه، خصوصا أن العدو الصهيوني لم يعد أمامه أي أفق لإعادة المستوطنين الى شمال فلسطين المحتلة، في ظل إستمرار حربه على لبنان، وهو بات يدرك، بعد فشله الذريع في كسر إرادة المقاومة رغم كل الضربات التي وجهها إليها منذ 17 أيلول الفائت، أن الحل الوحيد أمامه هو الوصول الى تسوية لوقف إطلاق النار، وأن هذه التسوية لا يمكن أن تتم إلا من خلال وجهة النظر اللبنانية لتطبيق القرار 1701 الذي يلتزم به لبنان الرسمي والمقاومة على حدّ سواء.
هذا الواقع يدفع حكومة نتنياهو الى مزيد من التخبط، كونها لا تستطيع الذهاب الى تسوية من دون رسم صورة نصر أمام المجتمع الاسرائيلي الغاضب من إستمرار هذه الحرب وطول أمدها، ومن صفارات الانذار التي تدوي على مدار ساعات النهار وتبقيه في الملاجئ، ومن عدم تحقيق أية أهداف سبق وتحدث عنها نتنياهو.
لذلك، فإن وسائل إعلام إسرائيلية بدأت تروّج لإمكانية الوصول الى تسوية مع لبنان، بالتزامن مع تصريحات متناقضة لعدد من المسؤولين بدءا من التأكيد على إستمرار وتوسيع الحرب على لبنان، مرورا بالاعلان عن قرب إنتهاء العملية البرية وإعادة المستوطنين الى الشمال (غير الآمن بفعل إستمرار ضربات المقاومة)، وصولا الى إعلان نتنياهو أمام حكومته أمس مسؤوليته عن تفجير أجهزة البايجر والأجهزة اللاسلكية، وعن إغتيال السيد الشهيد حسن نصرالله وقيادات المقاومة، بالرغم من معارضة الكابينت الاسرائيلي، وتحذير الولايات المتحدة الأميركية من الاقدام على هذا العمل.
قد يكون هذا الاعلان من قبل رئيس حكومة الاحتلال محاولة أولية لرسم صورة نصر أمام المجتمع الاسرائيلي تشكل تمهيدا لوقف الحرب والدخول الى التسوية، خصوصا أن نتنياهو يدرك أن إدارة بايدن الغاضبة عليه جراء نتائج الانتخابات التي ألحقت بها هزيمة ثلاثية (رئاسة وكونغرس ومجلس شيوخ)، ستمارس عليه مزيدا من الضغط لوقف هذه الحرب وهي عبرت عن هذا الأمر على لسان أكثر من مسؤول فيها من أجل الحفاظ على ماء وجهها في الفترة المتبقية لها في الحكم.
كذلك، فإن نتنياهو سمع خلال الاتصالات الثلاثة التي أجراها مع الرئيس المنتخب دونالد ترامب كلاما واضحا عن ضرورة وقف الحرب التي إستنفدت وقتها وأهدافها، إضافة الى دخول روسيا على خط التسوية وهي إستقبلت وزير الشؤون الاستراتيجية في حكومة الاحتلال ضمن هذا الاطار، لذلك، فإن نتنياهو يسعى اليوم الى مزيد من القتل والتدمير لإلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر والمجازر بلبنان عموما وببيئة المقاومة على وجه الخصوص، قبل أن يرضخ للتسوية التي تنتظرها المعارضة الاسرائيلية لفتح أبواب جهنم عليه.
Related Posts