ضربة “غليلوت”.. تفوّق استخباري للمقاومة وإسقاط لمنظومة الردع الإسرائيلي!.. وسام مصطفى

أطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وأعلن أن ردّ المقاومة (على اغتيال السيد فؤاد شكر) في مرحلته الأولى قد “انتهى مبدئياً”، وسيصار إلى تقييم ما جرى وما قد يجري ميدانياً ليُبنى على الشيء مقتضاه..

في المقابل سارع رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو للقول: “الردّ بالردّ.. ولا نريد أن ننزلق إلى الحرب”، فيما أكّد وزير حربه يوآف غالانت أن “إسرائيل لا تريد حرباً مع حزب الله.. وقد تأتي في المستقبل البعيد وليس الآن”، فما يعني ذلك؟!

على مدى أسابيع توزّعت معظم التحليلات إلى قسمين، الأول ركّز على تصوير سيناريوهات الردّ وارتباطه بردّ محور المقاومة وانعكاسه على الوضع الميداني في جبهة الشمال وعلى قطاع غزة والمفاوضات السياسية المتعلقة به، والثاني ذهب إلى التوهين واستبعاد الردّ ربطاً بالأساطيل الأمريكية والإجراءات الإسرائيلية العسكرية والاستخبارية التي من شأنها خلق حال من الردع، و”تخويف” حزب الله وضبط أدائه الحربي، ولكن التحليلات كلّها خابت مع انطلاق “عملية الأربعين” باتجاه أهدافها في عمق الكيان المؤقت، وسقطت معها حملة التهويل التي رافقتها، واخترقت صواريخ ومسيّرات المقاومة “المظلة الأمريكية الموجودة فوق إسرائيل” بحسب تعبير وزير الحرب الأمريكي لويد أوستن، والنتيجة أن حزب الله هاجم بقوة وشمولية وكسر مجدداً قباب الردع الإسرائيلي ليزيد الضغط على الداخل الصهيوني بقوة أكبر.

ويعني ما سبق أن الضربة المباشرة التي وجهها الحزب فضلاً عن الحرب النفسية المدمّرة التي استمرت 26 يوماً من الترقّب والانتظار، قد حقّقت أهدافها بالنسق والحجم والهدف الذي أعلنه السيد نصر الله، ولكن مع لحاظ معطيين أساسيين أولهما: تحييد الأهداف المدنية داخل كيان العدو التزاماً بالمناقب الأخلاقية للمقاومة التي تركّز على ميدان القتال وضرب الأهداف العسكرية حصراً، وثانيهما: عدم توفير الذريعة لنتنياهو لتوسيع دائرة العدوان حرصاً على لبنان وشعبه واقتصاده، وهي ذريعة كانت قبل الردّ غير ملزمة للعدو، إلا أنها بعد الردّ انتفت من قاموس نتنياهو العدواني، ليس لالتزامه قواعد الحرب، بل لأن ردّ المقاومة شكّل رادعاً حقيقياً جعل من نتنياهو وأركان حربه، الذين كانوا يتبارون بإعلان تصريحاتهم النارية يعيدون حساباتهم التي قادتهم إلى نتيجة مفادها أن أي حرب مفتوحة مع حزب الله تعني الذهاب إلى الانتحار.

استهدفت مسيّرات المقاومة قاعدة “غليلوت” المجاورة لتل أبيب وفق ما كشفه السيد نصر الله، وهي تضمّ الوحدة “8200” التي تعدّ واحدة من أقوى الأجهزة الاستخبارية في العالم، سواء لجهة دورها ومهامها أو لجهة أثرها الفاعل في جمع المعلومات وتحليلها وتوفير المواد الاستراتيجية لمستويات القرار الإسرائيلي العليا، وهذا ما يمنحها الأهميّة النوعية في تصنيف الأهداف الكبرى، وسرعان ما تكشّفت أخبار من مصادر متفرّقة عن مقتل قائدها “يوسي سارييل” وعدد من أفراد مجموعة عمله، مع العلم بأن وجود هذه الوحدة وهويّات العاملين بها يعدّ من الأسرار القومية غير المسموح كشفها أو التصريح عنها، وهذا ما يفسّر التشديد الإسرائيلي الصارم بعدم التصريح أو نشر أي معلومات أو مواد عن نتائج هجوم حزب الله الجوي.. فهل هذا يعني أن المقاومة وفت بوعدها في الانتقام لاغتيال السيد فؤاد شكر؟!

لا شك في أن الردّ يُصنّف ضمن معادلة “الصاع بصاعين”، إلا أن المقاومة تدرج في قاموسها فصولاً أخرى في سياق المواجهة المفتوحة مع معسكر الهيمنة الغربية ورأس حربتها “إسرائيل”، فإذا ما تجاوزنا معيار تحقّق التماهي الشخصاني في الردّ، نجد أن هناك فرقاً كبيراً بين أن تستهدف الأداة التي تستخدم القوة وبين أن تنجح في شلّ مركز الادارة والتحكم الذي يدير هذه الأداة، وما ينتج عن ذلك من ضرب لمركزية القوة ومنظومة أدائها بما يخدم تحقيق المشروع الاستراتيجي، وهذا ما يسوّغه استهداف المقاومة لقاعدة غليلوت والوحدة “8200”، والذي يُسجل في خانة التفوّق الاستخباري لحزب الله في اكتشاف وتحديد واستهداف هذه القاعدة في الزمان والمكان المناسبين اللذين يؤمنان النتيجة المباشرة والمحقّقة.

وفي حال جبهة الإسناد نرى أن المقاومة تنفذ الأمرين، حيث تستهدف المواقع العسكرية للعدو وتحصيناته في سياق قواعد الاشتباك ولكنها في الوقت نفسه توظّف ضرباتها من حيث المستوى والحجم والنوع والمدى لضرب البنى الأساسية التي تمنح العدو ميزة التفوق الاستخباري والمعلوماتي، والتي تعدّ العنصر الحيوي الذي يفيد في وضع الخطط العسكرية والامنية والإعلامية، وهذا ما ظهر في قدرة المقاومة على إمطار المواقع العسكرية الإسرائيلية المحدّدة على رقعة انتشار جغرافي واسعة دون أن تستطيع المظلة الإسرائيلية والأمريكية الجوية والبرّية فعل شيء إزاءها، وهذا ما يعترف به كثير من المعلّقين الإسرائيليين الذين رأوا أن “إسرائيل” فقدت السيطرة على الوضع، على الرغم مما قيل عن ضربة استباقية فاشلة، وأن “ما حدث إخفاق إسرائيلي على كافة الأصعدة”، ولعلّ أبلغ ما قيل في هذا المجال ما ساقه المحلّل الصهيوني عاموس هرئيل الذي قال: “التفاؤل الكاذب انتهى، وحزب الله قوي للغاية، وضربته القوية فعلت فعلتها، وإسرائيل لا تملك إلا الصمت”.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal