إنه الانقلاب بكل ما للكلمة من معنى.. كسر كل قواعد المنطق الذي كان يترافق مع شعارات الإسلام والعروبة ومحورية القضية ومعاهدات الدفاع المشترك وغيرها من أدبيات خشبية مهترئة احترقت مع أولى شرارات المواجهة الجدّية..
انقلاب أعاد خلط الأوراق التي كانت مصفوفة بالتباس متعمّد على مدى أكثر من سبعين عاماً من التستّر خلف ذريعة العجز والتشرذم والانقسام بين معسكريّ السلم والحرب.. أميتت القضية ولكن بقيت فلسطين بشعبها ومقاومتها في المسار الذي يوصلها إلى كيانية الوجود.
مجريات الانقلاب ظهّرت نيغاتيف الصورة بشكل جليّ وواضح فبانت الشخوص والوقائع على حقيقتها، ولم يعد على الرائي أن يقلّب احتمالات فهمه للأشياء التي استمرت مبهمة طوال عقود من الزمن.
فضحت “إسرائيل” نكران أهل البيت والأقارب، وحان الوقت لكشف اللثام عمّا كانت تخفيه أقنعة التآمر، فدول الطوق المدافعة عن فلسطين أصبحت دول حماية لدفع الضرر عن الجلاد.
بالأمس أكملت “إسرائيل” طوق الالتحام الممتد من قطاع غزة وأكناف فلسطين إلى بيروت فطهران وما بينهما خط الوصل بين صنعاء وبغداد.. وخلال ساعات قليلة عمّد بنيامين نتنياهو مراسم تكريس جبهة فلسطين، وكشف تموضع أطراف المواجهة بين معسكرين في حرب أزلية لم ولن تهدأ إلا بغلبة أحدهما.
اغتالت تل ابيب وواشنطن القائد الجهادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر (الحاج محسن) في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت ثم أتبعت جريمتها باستهداف الرأس السياسي لحركة حماس الشيخ إسماعيل هنية في قلب طهران، ليخرج نتنياهو ويعلن: “الحرب مستمرة وأمدها طويل” وهو الذي تفاخر أمام الكونغرس الأمريكي بأنه يقود معركة أمريكا والغرب كلّه في مواجهة إيران وجبهة المقاومة والخصوم من قوى الشرق العتيدة المعادية للغرب عموماً.. ماذا بعد؟!
استنكر معظم العرب الجريمة بحبر البيانات، فيما تتحضّر المنطقة لاحتمال الانفجار الكبير، ولكن النقطة الأهم في المشهد صورتان متقابلتان: الأولى مشهد مهيب لجموع غفيرة من الناس تشيّع السيد شكر في الضاحية قابلته جموع مليونية تشيّع الشيخ هنية في طهران، وصلاة أمّها أرفع منصب في قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهو المرشد السيد علي الخامنئي، أما في الصورة المقابلة فمواقف شمّاتين عرب تشفّياً بمقتل قائد مقاوم على يد مغتصبي فلسطين والقدس، وأداء إعلامي عربي يسوّغ لنتنياهو ارتكاب جريمته الشنيعة.
والسيد فؤاد شكر واحد من قادة المقاومة الذين بذلوا التضحيات لأجل فلسطين إيماناً بالقضية وتجسيداً للعقيدة، وسبقه إلى ذلك قافلة من الشهداء القادة.
إنها فلسطين التي كسرت المقاومة فيها قيود المذهب والطائفة، واجتازت حدود الانتماء العرقي وحواجز اللغة والجغرافيا. إنها فلسطين التي تعيد فيها المقاومة كتابة التاريخ من بوابة الانتصار وهزيمة مشروع الهيمنة التي تقوده أمريكا وتنفذه “إسرائيل” على مرأى ومسمع وسكوت أهل العشيرة والقبيلة والدار.
السيد فؤاد شكر لن يكون آخر الشهداء من القادة والمقاومين، فالمسيرة التي بدأتها المقاومة لم تنطلق في العام 1982، بل هي ضاربة في التاريخ الإنساني حيثما وقفت جبهة الحق في مواجهة جبهة الباطل، والحاج محسن الذي عرفته بيروت وخلدة وقرى الجنوب على مدى سنيّ المقاومة حتى التحرير عام 2000، عرفته فلسطين رابضاً على التلال الجنوبية يمسح الأرض المحتلة بمنظاره، وينتظر لحظة تحرير القدس، ولئن حال القتل بينه وبين أن يجوس خلال الديار إلا أنه كان يأمل قرب الموعد وهو يقود جبهة الإسناد على مدار اللحظة.
إن شهادة السيد شكر والشيخ هنيّة التي جمعت فلسطين أواصرها بين عواصم دول محور المقاومة وأشعلت جبهات الإسناد جسّدت وحدة ساحات المقاومة نصرةً لفلسطين وقضايا العرب والمسلمين ولن تتوقف باستشهاد قادتها بل ترفد المواجهة بزخم أكبر سيجد ترجمته في الرد المرتقب .. والحرب سجال.
Related Posts