لعبة الحرب والعزف على أوتار اللبنانيين!.. بقلم: سهى آغا

في ظل العقبات التي يمر بها لبنان منذ سنوات فهو بحالة تخبط ويجاهد في البقاء و حفر مستقبله, بعد تبدد أحلامه جراء الفساد المتفشي في البلد.

هذا البلد الذي ينام على ثروات مدفونة تسيطر عليه مفاوضات و تهديدات خارجية لإقتلاع بعض الحدود الثمينة الاستراتيجة و الإقتصادية. حتى الملف الرئاسي والشرق أوسطي رهن مفاوضات أميركية إسرائيلية لا تبت فيها أي ورقة قبلالتوقيع على ما سيفرضونه من أجل تسوية ملفات ساخنة شرق أوسطية.

ولكن لبنان المهترئ أصبح في وضع لم يعد يرعبه التهديدات…

مابين 2006 و 2024 حوالي ٢٠ سنة, هكذا هو تاريخ لبنان منذ وجوده إلى الان مكتوب عليه الحرب كل 20 عاماً. ولكن 2024 يختلف وضعه عن سابق المراحل.

فلبنان ٢٠٢٤ ليس هو لبنان ٢٠٠٦..

في تموز 2006 شن حزب الله هجمات عنيفة بدأت في 12تموز (يوليو) 2006.و انتهت بعد 34 يوماً.

فقد أطلق حزب الله نحو 3900 صاروخا على إسرائيل (في الشمال والجليل ) أسفر عن مقتل 44 مدنيا إسرائيليا و106 جنود بينهم 12 جنديا احتياطيا وإصابة نحو 1400 مدنيا. يذكر أن 4428 صاروخا من حزب الله أصابت إسرائيل.

اما إسرائيل فقد استهدفت لبنان من جنوبه إلى الضاحية شرق بيروت مع قصف عدة جسور ومصانع على أراضيه كافة.

كانت وطأة الضربات قاسية على لبنان فهو الذي عانى ويلات 20 سنة من حرب أهلية وإستطاع النهوض و إعادة الاعمار في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

منذ سنة 1994 كانت فورة اعمار و إحياء البلد و إستعادة إقتصاد وأمان وثقة السواح، حتى لمع إسمه كبلد سياحي خدماتي بإمتياز .إلى أن جاءت ضربات العدوان الأسرائيلي عليه في 2006، وخلف مئات القتلى والجرحى، حيث إنهار جزءًا مهماً من البنية التحتية, فكان دماراً هائلا بالممتلكات وخسائر بالأرواح, وتوقفاً للمطار وإنهياراً إقتصادياً وسياحياً عاماً ….

 ما الذي يختلف عليه الان في عام 2024؟

الفرق هذا العام أن لبنان وصل إلى الإنهيار الكامل و الشلل العام قبل أن يأتيه التهديد الإسرائيلي..

 بل هو على إستعداد تام لتلقي الضربات برأس مرفوعة!!!

فبعد إنفجار المرفأ واستشهاد ما يزيد عن ٢٠٠ شخصاً. عقب انهيار الليرة اللبنانية.

لم يعد هناك ما يقلق اللبناني. فعلى ماذا يخاف إذا قصفت إسرائيل لبنان؟

الهم الأكبر الأبناء؟

 نصف أبناء الشعب هاجر، 30% من العائلات باعت املاكها و اغتربت.

فعلى ماذا يخاف؟

 على هيبة الرئاسة؟، الوطن بلا رئيس منذ سنتين, حتى الشعب نسي ما معنى رئيس!! فالبلد ماشي لأنه أصلاً إنهار في عهد الرئيس وبدأ يستعيد عافيته في عهد الفراغ الرئاسي..

 على معنويات جيشه؟، أكثر من 40ٕ% من أفراد المؤسسة العسكرية سافروا أو إستقالوا بعد خراب الوطن….

 على حرمة المرفأ؟، فالمرفأ قد سوي بالأرض سنة 2020 بفعل التفجير واصبح من الأطلال!!

 على أمن المطار؟، فالمطار تهالك بنيانه من الإهمال و عدم الصيانة منذ بنائه.

 فعمره زاد عن 20 سنة.وهو بحاجة ماسة للترميم!!

 على إنقطاع الكهرباء؟ شم ولا تذوق . الكهرباء تكاد تأتي 4/24… أي فعلياً لا كهرباء في لبنان و معظم شبكاتها متهالكة بحاجة لهيكلة من جديد والمواطن مل ولم يعد يتكل على كهرباء الدولة.

 إنقطاع الإنترنت؟، حدث بلا حرج ..اهدار لوقت المواطن وهو ينتظر نقطة إرسال. من أسوأ الخدمات في العالم واغلاها على جيب المواطن…

 على مصير مؤسساته؟، المؤسسات التربوية و الإقتصادية و القضائية كلها في حالة إضراب أو إقفال، وبالتالي اهدار مصروف على الفاضي…

 على وضع المواطن الإقتصادي؟

 شقى عمره أودعه في مصارف الدولة فأصبحت نقوده مثل المثل( يادار ما دخلك شر) فص ملح و داب… وامواله أصبحت رهينة في مهب الريح ولا مين يحاسب.

على البنية التحتية؟، أصبحت منهارة أكثر من أي قصف..لدرجة أن السيارات لا تكاد تلامس الأرض. فهي بحالة طيران من كثرة المطبات و الجور. والشعب يقتل يومياً على هذه الطرقات المتهالكة. فقط الضرائب والرسوم هي الحية في هذا البلد, وتمص جيب المواطن بلا خجل مما اقترفته أيدي الفاسدين…

 على دوي الصواريخ؟، سمع وأذان المواطنين باتت معتادة على أصوات رصاص المافيات والمفرقعات…!! والساحة فلتانة على التصفيات والخوات والتفلت الأمني والإتجار بالبشر والمخدرات والتهريب في البلاد.

فعلى ماذا يخاف اللبنانيون أكثر مما هم فيه؟؟

وحده العدو الغاشم سيقلق ويخاف وسيتكبد خسائر في حال شن حرباً مدمرة على لبنان. نعم!!*

فالعدو ليس كعام 2006، صحيح أنه أصبح يمتلك أهم ترسانة حربية وأسطولاً حربيا مدمراً. ويعتبر جيشه لا يقهر و إزداد مساحةً وسياسة توسعية في الضفة و غزة. أما اقتصاده فهو في أقوى درجة و كذلك السياحة.

أما أهم خوف لديه لديه إنه انفق المليارات لبناء منصات الغاز في البحر المتوسط. وهي الان عرضة للتهديد والقصف.. فقد ثبتت إسرائيل سفنها ومنصاتها في حقل كاريش, وبدأت منذ سنتين تستخرج الغاز الطبيعي الذي بدأ بالتدفق من حقل “شمال كاريش” الواقع على مسافة 97 كيلومتراً تقريباً قبالة ساحل الشمال الإسرائيلي إلى “إنرجان باور”، وهي سفينة ضخمة عائمة لإنتاج الغاز والتي لسوء حظهم باتت اهدافاً مغريةً لـ “حزب الله”، يساوم العدو عليها.

أما بالنسبة إلى شركة إنرجان “باور”، فالسفينة العائمة عرضة للاستهداف مع استمرار تصاعد التوترات بين “حزب الله” وإسرائيل. فقد سبق للحزب أن أطلق طائرات بدون طيار نحو السفينة، واليوم تتمركز السفن الحربية الإسرائيلية على مقربة منها لحمايتها. أما جنوباً فتقع منصة الإنتاج “ليفياثان” ضمن نطاق ذخائر “حزب الله” كصيد مهم للقصف، في حين أن منصة الإنتاج “تمار” ومحطة “أشدود” البرية المجاورة معرضتان لخطر الصواريخ المتبقية لدى “حماس” من قطاع غزة.

للعلم أن حقل “كاريش” و “شمال كاريش” انتزعتهما إسرائيل بالترسيم البحري مع لبنان في عام 2020 بعد إنفجار المرفأ.

وتنناور إسرائيل منذ ذلك الوقت في مفاوضات ترسيم الحدود البرية مع لبنان ( عبر الموفد الأميركي هوكشتاين بجولات مكوكية) لحماية كل ما يزعزع مستقبلها النفطي. وهي تفتعل حججاً أمنية لتوسيع الحرب على لبنان لوضع يدها على الليطاني و قضم حدوده البرية مجدداً.

إذاً مخاوف إسرائيل و هاجسها الأول ليس الأسرى, بل هو ازاحة شعب غزة إلى ما بعد رفح لتستولي على ساحلها. لتظل قاعدة امنة لمنصاتها و مخزون إضافي لها.

صحيح أنها أجرمت بالفلسطينيين واستباحت غزة, لكن إسرائيل بكل جبروتها تستميت من أجل سلامة هذه الموارد والشركات من صواريخ المقاومة في لبنان, وتضبط نفسها و تفكر ١٠٠ مرة قبل توسيع حربها فأمنها الإقتصادي والاستراتيجي مرتبط بالتهديد الضمني من قبل حزب الله باستخدام القوة الانتقامية ونسف منصاتها بلحظة. وإسرائيل غير مستعدة للتفريط بكل ذلك. فالهدهد الذي ارسله الحزب ممشطاً الساحل الإسرائيلي ما هو إلا رسالة تهديدية واضحة من الحزب بأنه قادر على تدمير المنصات بكبسة زر.

من هنا نعرف أن الضربات الإسرائيلية على لبنان لن تكون أكثر من عرض عضلات وإستعراض. ولن تعثو فيه دماراً كما في السابق… فهي منذ حرب أكتوبر, تعرف ما يهدد حقولها من جبهة الشمال، وتتجنب الضربات العميقة والمدمرة إستراتيجياً للبنان. فكان قصفها موجهاً بدقة على الأطراف وبعض الأحياء اللبنانية في الجنوب.

 ماذا حصدت إسرائيل من انجازات في غزة؟فبعد تسعة أشهر من القصف الوحشي على غزة ومازالت المقاومة صامدة, فكيف إذا جابهت الحزب في لبنان؟!

كل دمار تلحقه إسرائيل بلبنان سيعاد إعماره من جديد، فاللبناني أثبت إنه محب للحياة خاصةً إنه لم يبق شيئاً يتأسف عليه.

لا تقلق يا شعب لبنان الفينيقي العظيم!!…

 يا شعب الحياة. قف مرفوع الرأس بوجه أى عدوان، و يا شعب ما يهزك ريح. إضرب والريح تصيح. فهذه المرة أي تهديد يصيب الوطن لن يتمكن من كسرك أبداً

الكاتبة: سهى آغا (صحافية وكاتبة)..

Post Author: SafirAlChamal