أربعة وعشرون عاماً مرّت على ذكرى تحرير الجنوب في مشهدية شكّلت تحولاً في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي. اذ لا يزال الجميع يتذكر كيف فرّ جنود العدو يومها مذلولين تحت جنح الظلام. وإذا كان هذا التحرير ينتظر ان يكتمل بإسترجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والنقاط الـ١٣ المختلف عليها، لا بد من القاء الضوء على قرى لبنانية، عددها سبع، باتت عن قصد او غير قصد “طي النسيان”.
بحسب الرواية التاريخية، وبعد اعلان دولة لبنان الكبير في العام ١٩٢٠، وقّعت بريطانيا وفرنسا إتفاقية ترسيم الحدود العامة بين منطقتيهما. وقد اصدر المفوض السامي الفرنسي آنذاك قراراً بإحصاء منطقة لبنان الكبير، وبناءً عليه أُحصيت ضمنه سبع قرى جنوبية، ليُصدر بعدها المفوض السامي قراراً حمل الرقم ١٣٠٧ تاريخ ١٠ آذار ١٩٢٢ ونص على انه “يُعتبر لبنانياً كل من كان قد قُيّدَ بهذه الصفة في سجلات الإحصاء”.
غير انه وبعد ثلاث سنوات، وبطلب من الوكالة اليهودية، وعقب توقيع اتفاقية بين الحكومتين الفرنسية والبريطانية حددت خط الحدود السورية ـ الفلسطينية بين البحر الأبيض المتوسط وبلدة الحمة الفلسطينية، سلخت هذه القرى عن لبنان وضمّت الى فلسطين. وقد جرى كل ذلك من دون علم او اخذ رأي أي من لبنان وفلسطين.
وقبل الانتقال الى عرض حول القرى التي تحولت الى مستوطنات يحتلها العدو الإسرائيلي، قد يكون مفيداً، على ضوء الاعتداءات التي يعيشها الجنوب اللبناني وسكانه منذ بدء عملية طوفان الأقصى، تذكير من يطالبون بإتفاق سلام مع العدو الإسرائيلي ان المادة الثانية من الفصل الأول في الدستور اللبناني تنص على انه “لا يجوز التخلي عن احد اقسام الأراضي اللبنانية او التنازل عنها”.
فعلى مساحة ٧٤٢٢١ دونماً، تمتد قرى سبع تصل شرق الجنوب بغربه على شكل قوس ينطلق من ابل القمح وصولاً الى طيربيخا جارة عيتا الشعب المقاوِمة. ونوجز في ما يلي بعضاً من سِيَر هذه الضيع.
١- إبل القمح او ما بات يعرف بمستوطنة يوشاف يوفال: تقع في الطرف الجنوبي الشرقي من جبل عامل على امتداد ١٧ الف دونم وتحتوي على مساحات زراعية كبيرة. دمرها العدو الإسرائيلي سنة ١٩٤٨ وزرع شريطاً شائكاً عند حدودها مع الوزاني وضمها إلى فلسطين المحتلة.
٢- طيربيخا او ما بات يعرف بمستوطنة شومرا: لقبت بـ”حوران الثانية” نسبة للحبوب التي كانت تزرع في سهلها، وكانت تحتوي على شبكة طرقات فرعية تصل الى رأس الناقورة وعدد من البلدات الحدودية. القسم الأكبر من أبنائها مغترب في دول اميركا اللاتينية وأول مدرسة في المنطقة كانت فيها. مساحتها تبلغ ٣٥ الف دونما وقد استوطنها الإسرائيليون منذ العام ١٩٤٩ واطلقوا عليها اسم “موشاف شومرا”.
٣- صلحا او ما بات يعرف بمستوطنة بيرون وافيفيم: مساحتها ١٧٠٠ دونما وتقع جنوب بنت جبيل، يفصل بينها وبين قرية المالكية نهر عوبة وتحتوي آثاراً قديمة يقال انها تعود الى عصور ما قبل التاريخ. ويعترف الاسرائيليون بأنهم ارتكبوا عام ١٩٤٨ مجزرة في البلدة ذهب ضحيتها حوالي الـ ١٠٥ اشخاص.
٤- قَدَس او ما بات يعرف بمستعمرة يفتاح: ترتفع قرابة ٤٧٥ متراً عن سطح البحر وتمتد على مساحة ١٤٢٠٠ دونماً. واسمها منبثق من كونها مدينة دينية مقدسة ايام الرومان. يحيط بها واديَيْ جهنم وعروس، وقد احتلها الاسرائيليون نهاية تشرين الاول ١٩٤٨.
٥- المالكية او ما بات يعرف بمستوطنة ماليكاه: تقع في الطرف الجنوبي الشرقي لجبل عامل ويحدها شمالاً بليدا، جنوباً صلحا، شرقاً قدس وغرباً عيترون. تبلغ مساحتها ٧٣٠٠ دونماً. احتلها الاسرائيليون سنة ١٩٤٨، وحولوها الى مستوطنة عام ١٩٤٩، واضحت منطقة عسكرية اسرائيلية.
٦- النبي يوشع او ما بات يعرف بمستوطنة رموت نفتالي: على مساحة ٣٦٠٠ دونما، وارتفاع ٣٧٥ متراً عن سطح البحر، كانت البلدة التي سميت تيمناً بإسم النبي الذي تحوي مزاره، محجة للمسلمين والمسيحيين على السواء. احتلتها “الهاغاناه” الصهيونية سنة ١٩٤٨ وحولتها الى مستوطنة اسرائيلية.
٧- هونين او ما بات يعرف بمستوطنة موشاف مرغليوت: تحدها من الشمال العديسة، من الجنوب ميس الجبل والبويزية، من الشرف الخالصة ومن الغرب حولا ومركبا. تعلو عن سطح البحر قرابة الـ ٦٦٠ متراً وتصل مساحتها الى ١٤٣٠٠ دونما، اشتهرت بقلعتها الصليبية التي لا تزال الى اليوم مقصداً للسياح. تحوي العديد من المواقع الاثرية. احتلها الاسرائيليون سنة ١٩٤٨ وانشأوا المستوطنة سنة ١٩٥١.
اربعة وعشرون سنة مرّت ولا يزال لبنانيو هذه القرى ينتظرون ان يعيد سياسيوهم رسم الخريطة السياسية للبنان والتي تحتوي على بلداتهم بحسب التوصية التي صدرت عن مجلس النواب اللبناني سنة ١٩٩٩.
اربعة وعشرون سنة على التحرير، ولا يزال جنوب “العزّ” يقاوم، في سبيل استرجاع الارض التي سلبت واغتصبت من عدو يظن انه “لا يقهر” و”سيقهر” بثلاثية ذهبية تعيد تكريس الانتصارات وفاء لدماء الشهداء.
Related Posts