خان الصابون حكاية صمود من طرابلس الى كل العالم!.. صبحية دريعي

في قلب مدينة طرابلس وبمحاذاة الأسواق القديمة يقع خان الصابون الشاهد على بدء حكاية صناعة الصابون الطرابلسي، حيث يمكن لزائر المدينة ان يتنشق عطر الصابون الذي يفوح من أسواقها العتيقة.

للصابون بعطوره وزيوته أسرار لا يعرفها إلا أهل المهنة الذين استطاعوا الحفاظ عليها بكل حب وشغف، ويعود عمر الخان إلى أكثر من 533 عام حيث تم بناؤه في عهد المماليك على يد والي طرابلس يوسف بك سيفا وكان يتكون من طابقين السفلي عبارة عن مركز للتبادل التجاري بين لبنان والبلدان الأخرى أما الطابق العلوي فكان فندقاً للزائرين.

أعطى خان الصابون للمدينة ميزة صناعة مختلف أنواع الصابون فهي أول من احترف هذه الصناعة بحسب الوثائق التاريخية فإن السلطانة المعروفة بإسم هيام وهي زوجة السلطان سليمان القانوني من أوائل من قصد الخان، حيث كانت تشتري الصابون لتزين به قصر “طوب قابى” الكائن في إسطنبول وفي حينها اشترت السلطانة الخان بأكمله وجعلته وقفا لمدينة القدس، وأرسلت باخرة محملة من الصابون إلى إسطنبول مما تسبب في تحريك سوق طرابلس.

يؤكد المؤرخون ان صناعة الصابون بدأت منزلية منذ قرابة الـ 300 سنة وكان يوجد في طرابلس حوالي 400 مصبنة لكن في بداية القرن الماضي اندثر عدد كبير من هذه المصابن واصبحت حرفة من الحرف التراثية التي حافظت بعض العائلات الطرابلسية عليها، ومنها آل حسون.

هذا المكان الأثري كان ولا زال شاهداً على ازدهار تجارة الصابون في طرابلس بحيث يتم صناعة حوالي 1200 نوعا من الصابون العطري والعلاجي والتجميلي الذي يناسب جميع أنواع البشرة ويعالج العديد من المشاكل الجلدية كالتصبغ والجفاف والحبوب ولم تقتصر إنتاجية الصابون على الأسواق المحلية فقط بل أصبحت تصدّر إلى مختلف الدول الأوروبية.

يجذب خان الصابون عددا كبيرا من السياح الذين لا يفوتوا فرصة إلتقاط الصور و وإكتشاف الخان وشراء صابون معطر تبقى رائحته تذكرهم بخان الصابون وأهله. من خان لقرية متكاملة تفوح منها رائحة العطر الطيب، شهدت صناعة الصابون نقلة نوعية على يد الدكتور بدر حسون وأولاده الذين أنشأوا قرية خاصة للصابون ضهر العين المطلة على طرابلس، وهي أول قرية بيئية في الشرق الأوسط تبلغ مساحتها 30 ألف متراً مربعا، وأسسوا فيها مصنعا متطورا للتقطير، والتحويل، والتركيب، مع مختبرات مجهزة بأحدث التقنيات التي تلبي حاجة الصناعة، ومتطلباتها ليصل الصابون من طرابلس الى كل العالم.

تحظى قرية بدر حسون البيئية باعتراف عالمي وإشادة من هيئات دولية لدورها في الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة كما حصلت على جائزة التميز البيئي من الاتحاد العربي للشباب والبيئة.

يروي مدير التسويق في القرية البيئية السيد أمير حسون لـ”سفير الشمال” قصة نجاحهم فقال: “في عام 1985 تعرض متجر والدي للسرقة ولم يكن يملك حينها عمل آخر فقرر العودة الى خان الصابون واعادة إحياء ما تركه أجدادنا، وفي عام 2002 افتتح والدي معمل مؤلف من ثلاث طوابق في منطقة ابي سمراء إلا أنه بعد ثلاث سنوات إحترق فلجأ حينها الى سحب قرض من البنك وبدأ يخط اولى خطوات النجاح نحو بناء قرية بيئة مميزة”.

وأضاف: “بالنسبة لنا صناعة الصابون ليست مهنة نمارسها لجني المال، بل هي عشق وحب نشأنا عليه حيث تركها لنا أجدادنا ونقلها لنا آباؤنا وورثنا صناعة الصابون من مئات السنين، ما يؤكد أن شغفنا وحبنا انتج قرية بدر حسون وهي قرية صديقة للبيئة تصنع الصابون العطري والعلاجي والزيوت الى جانب الكريمات ومستحضرات العناية بالبشرة من روح الطبيعة ومن دون أن تدخل في تركيبتها أي مادة كيميائيَّة، وقد احتلَّت القرية المركز الأول في العالم كأوَّل قرية بيئية عربية نموذجية تهتم بالصناعة والسياحة البيئية”.

وعن مراحل تصنيع الصابون يشرح أمير حسون خطواتها، فيقول: “يتكون الصابون من أعشاب جافة ومياه مقطرة، وزيوت أساسية وعطرية في البداية يتم تقطير الأعشاب في “كركة” مختصة وتطبخ على طريقة الطبخ الحامية ثم يتم إدخال ماء الأعشاب الطبيّة العطرية، وعملية الطبخ تستغرق من 8 ساعات إلى 16 ساعة ويترك بعدها الصابون عدة أيام حتى يجف ثم يطبخ على البخار وندخل اليها الاعشاب التي ستحمل إسم الصابونة أما بقية الصابون فيتم طحنه لتصنيع أنواع أخرى”.

صابونة الذهب الأغلى في العالم

أحد إنجازات القرية هو صابونة الذهب التي دخلت موسوعة غينيس للأرقام العالمية، والتي تحتوي على 17 غراماً من بودرة الذهب الصافي (عيار 24)، وثلاثة غرامات من بودرة الألماس، وقد تجاوز سعرها 2800 دولار وهي ممزوجة بالأعشاب الطبيعة ويدخلها العود المعتّق والبلح بالإضافة إلى قطعة من الذهب يمكن الاحتفاظ بها لاحقاً لاستخدامها.

خان الصابون والقرية البيئية في طرابلس شاهدان على قصص نجاح أبناء هذه المدينة، ويؤكدان أنه بين الصابون والعطر تصمد الصناعة اللبنانية بوجه الأزمات فتجذب أفواجاً من السياح يحملون رائحة طرابلس معهم الى كل أنحاء العالم.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal