تتميز علاقة رئيس تيار المرده سليمان فرنجية مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بكثير من الصدق والشفافية والود، فـ”سيد بكركي” لطالما عبّر عن محبته لفرنجية، ولم يسبق له في أي موقف أن عارض ترشيحه لرئاسة الجمهورية، بل على العكس فقد كان “البيك الزغرتاوي” من بين الأقطاب المسيحيين الأربعة الذين إستدعتهم بكركي في العام 2014 للتحاور والاتفاق على واحد منهم، وكان إسمه في ذاك الوقت متقدما، كذلك فقد جاء إسمه في رأس اللائحة التي أعدتها بكركي قبل فترة وتضمنت الأسماء المرشحة للرئاسة.
لا شك في أن ما أبلغه فرنجية أمس الأول الى سفراء الخماسية الذين زاروه في بنشعي بأنه “ثابت في ترشيحه ولن ينسحب من المعركة” عمل على تشريعه مسيحيا بزيارته الى بكركي والذي يتبادل معها ومع سيدها الايجابيات بكل مندرجاتها، حيث يؤكد فرنجية في كل مناسبة أنه “يخضع لسيدنا البطريرك كنسيا ومسيحيا ويحرص على أطيب العلاقات معه”، في حين يشيد البطريرك الراعي “بالالتزام المسيحي لفرنجية وعائلته وتاريخها الوطني والعروبي”، ما يشير الى إحتضان كنسي كامل له ولمن يمثل.
طبعا، ليس المطلوب من بكركي أن تروّج لترشيح فرنجية، ولم يطلب هو ذلك، حرصا منه على دورها الجامع وحيادها ووقوفها على مسافة واحدة من الجميع، ومن المفترض أن تحذو الأطراف المسيحية حذو فرنجية، خصوصا أن من يريد أن تتحول بكركي الى طرف يدافع عن مصالحه السياسية ويروج لتقاطعاته الرئاسية، أو من يسعى الى أن تصب عظات البطريرك الراعي في مصلحته، يسيء الى بكركي وحضورها وتاريخها، ويدخلها في زواريب يجب أن تبقى بعيدة عنها.
وفي الوقت الذي كان فيه فرنجية يستقبل سفراء الخماسية ثم ينتقل في اليوم التالي الى بكركي للقاء البطريرك الراعي، كان القصف السياسي على أشده بين الفريقين المسيحيين اللذين يؤكدان في كل مناسبة أن من حقهما أن يكون لهما الكلمة الفصل في الاستحقاق الرئاسي، في حين أنه بعد مضي سنة ونصف السنة على الفراغ، قدما مرشحا بتقاطع هجين مهمته قطع الطريق على فرنجية، ولم يطرح أي منهما إسما جديا يمكن الركون إليه، وطبعا لن يتوافقا على أي مرشح في ظل تبادل الانتقادات والاتهامات التي وصلت الى حدود الشتائم، فضلا عن رفض الفريق المسيحي المعارض للحوار الذي يسعى إليه تكتل الاعتدال الوطني، ويربط موافقته عليه بعدم ترؤس الرئيس نبيه بري لجلساته، وذلك في محاولة واضحة لتصفية الحسابات مع عين التينة وإستهداف مقام وصلاحيات الرئاسة الثانية.
أما الأمر الأكثر غرابة، فهو تأكيد رئيس حزب الكتائب سامي الجميل بأن “أي حوار أو توافق على صيغة للانتخابات يجب أن تبدأ بإنسحاب سليمان فرنجية من المعركة الرئاسية”، وهو أمر مناف ومخالف للدستور وللديمقراطية، خصوصا أن فرنجية يمتلك كامل الحقوق المدنية كمواطن لبناني يحق له الترشح لأي منصب ويمتلك قوة نيابية وازنة تدعم ترشيحه، ومواجهته لا تكون بإشتراط إنسحابه وإنما بالتوافق بين المعارضين على مرشح آخر والذهاب به الى مجلس النواب.
واللافت، أن ترشيح فرنجية يغطي اليوم عجز التيارات المسيحية عن إختيار مرشح أو التوافق على آخر، فالبلد الذي يعاني من الشغور، يوجد فيه مرشح جدي وطبيعي هو فرنجية، فيما لا تستطيع التيارات الأخرى أن تسمي مرشحا، بل تكتفي بالشعارات والمواصفات والخيار الثالث والرابع، وبالتالي فإذا إنسحب فرنجية من المعركة، فإن لبنان والساحة السياسية فيه ستكون من دون رئيس للجمهورية ومن دون مرشح رئاسي، وهذا هو الفراغ القاتل!..
Related Posts