إيران تهزّ إسرائيل فهل يقودها نتنياهو إلى الزلزال؟.. .وسام مصطفى

لم يمض وقت طويل حتى بدأت تتكشف نتائج الضربة الإيرانية الموعودة لإسرائيل، تقارير ومعلومات وتحليلات وتسريبات وصور فضائية وخرائط جوية كلّها تتحدث عن قدرة حقيقية أظهرتها إيران في إصابة دقيقة للأهداف التي حدّدتها مسبقاً بأنها ستكون في مرمى المسيرات والصواريخ الباليستية.. وذهبت سكرة الدعاية التي اعتادت إخفاء الخسائر وجاءت فكرة الإقرار بتلقّي العقاب والركون إلى الأيدي المكبّلة العاجزة عن الردّ على الردّ، وستحمل الأيام المقبلة اعترافات إضافية “بالمفرّق” لما تكبّده جيش الاحتلال من خسائر بشرية ولوجستية.

أما وبعد انتهاء العصف العسكري الذي حبس أنفاس العالم بدوله وقواه الكبرى على مدى خمس ساعات، حان وقت جردة الحساب التي جنتها طهران من ضربتها للمواقع العسكرية الإسرائيلية لنتبيّن في نقطة أولى أن خارطة الأهداف، وفق ما نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، توزّعت بدءاً من الشمال في الجولان مروراً بالوسط حيث قاعدة نيفاتيم ومطار رامون وصولاً إلى بئر السبع في الجنوب وعلى تخوم مفاعل ديمونا النووي، وهذا يعني أن كامل المساحة الفلسطينية المحتلّة هي بالفعل في متناول الصواريخ الإيرانية.

نفّذت إيران وعدها الذي سبق أن أعلنت عنه جهاراً، وأبلغت مسبقاً من يعنيه الأمر من أعداء وخصوم وأصدقاء ودول الجوار عن موعد الضربة، فانطلقت الرهانات التي استبعدت وقوع الضربة ربطاً برجحان التوازن العسكري الذي يميل لمصلحة الحلف الغربي – الإسرائيلي، ولكن ما إن حان الوقت حتى كسرت إيران قواعد الاشتباك التي فرضتها “إسرائيل” على مدى عشرات السنوات على دول المنطقة، وسجّلت نقطة ثانية في حسابات المواجهة وسجل الصراع الذي خمد نتيجة هزائم العرب ورضوخهم لمنطق التسوية وتمييع القضية الفلسطينية، فأعادت إرساء معادلة “توازن الرعب” ولكن هذه المرّة على خط إيران – تل أبيب.

كُتب الكثير من التحليلات العسكرية والسياسية التي تناولت الهزّة الإيرانية ونتائجها وتداعياتها على مستقبل الصراع في المنطقة وإعادة تشكيل القوى، ومنها ما أطنب في المبالغة ومنها ما استغرق في التوهين، ولكن الثابت أن إيران أثبتت قدرتها على الفعل بالنسق الزماني والمكاني الذي تحدّده هي دون زيادة أو نقصان، وكما أسقطت منظومة الردع الأمريكية باستهداف قاعدة “عين الأسد” في العراق رداً على اغتيال الجنرال قاسم سليماني دون أن تعاود واشنطن الرد، ها هي تسقط منظومة الردع الإسرائيلية رداً على اغتيال قادتها في القنصلية الإيرانية في دمشق، وتحذّر من أن ارتكاب أي حماقة إسرائيلية إضافية بحق إيران سوف تستدرج رداً حاسماً بعشر أضعاف الضربة السابقة، وهذا بحد ذاته يعدّ انكساراً لهيبة أمريكا وإسرائيل معاً.

كان محلّلون قد طرحوا احتمال أن يكون الرد الإيراني متماثلاً، فيأتي الردّ بضرب قنصلية إسرائيلية في بلد ما وتنتهي القضية، إلا أن إيران ردّت باجتياح جوّي للكيان الصهيوني، وهذه نقطة أخرى في جردة الحساب فاجأت أصحاب الاتجاه التسووي، وباتت المسألة لدى هؤلاء الآن: لو ردّت “إسرائيل” بضرب أراضٍ إيرانية فما سيكون حجم الاجتياح المضاد وشكله ومستواه؟! وهل سيقف عند حدود مطار ومواقع تورطّت في اعتداء القنصلية، أم أنه سيشمل كل القواعد الإسرائيلية والأمريكية وغيرها من المواقع التي ستقف إلى جانب “إسرائيل”؟! وكيف سيكون شكل التدخّل المباشر لأركان محور المقاومة الذي يحاصر الكيان الصهيوني هذه المرّة؟!

على أن النقطة الأهم في سياق النتائج يتمثّل في الخوف الذي بدأ يتجذّر في صفوف المجتمع الصهيوني من سوء المصير، فالطوفان الفلسطيني لم ينته بعد في قطاع غزة، وعشرات آلاف المستوطين الذين نزحوا من الشمال لم يجدوا طريق العودة إلى وحداتهم الاستيطانية بفعل الاستنزاف الذي تفرضه المقاومة الاسلامية على كيان العدو، أما الصواريخ اليمنية والعراقية فما تزال تفرض تعطيلا قسرياً للمنشآت الحيوية على الساحل الفلسطيني وفي ميناء إيلات، فكيف لو أمعنت إيران في دخولها على خط الحرب؟! وماذا لو رفعت مستوى الاستهداف كماً ونوعاً واتّساعاً، هل ستكون بريطانيا وفرنسا وحلفاؤهم من العرب قادرين على استيعاب طوفان المسيّرات والصواريخ الإيرانية ومنعها من دكّ “إسرائيل”؟!

شكلت عملية “الوعد الصادق” الإيرانية منعطفاً خطيراً ومحورياً في مسار الصراع، لما سوف تسفر عنه – بموازاة التطوّر العسكري والأمني – من تداعيات جيوستراتيجية توفّر دافعاً لمخططي السياسات الإسرائيلية لأن يعاودوا قراءة المشهد الإقليمي والدولي بطريقة مختلفة، وتفرض إيران لاعباً أساسياً في المنطقة ومؤثراً جوهرياً في ملفاتها الكبرى، وسينعكس هذا الأمر بالتأكيد إيجاباً في تكريس محور المقاومة ويصبّ تالياً في مصلحة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وهذا ما تعيه دوائر التخطيط في كل من واشنطن وتل أبيب التي لا تجد في الوقت الراهن بدا من التسليم بالمعادلة الجديدة، أما إذا اختار قادة العدو وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو التعنّت فإن الهزّة ستتحول إلى زلزال، والأمور ستكون مفتوحة على خيارات نارية لن تبقى في دائرة المنطقة بل ستطال حدود الإقليم الأوسع وربما العالم برمّته.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal