شهر رمضان بما فيه من نفحات ربانية ومضاعفة للأجور والحسنات، يُعد فرصة ذهبية لكل من يريد التغيير سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى الجماعة، وأنواع التغيير المنشود في هذا الشهر كثيرة، ويمكن لكل فرد أن يقرر ويحدد نوع التغيير الذي يريد، والتغيير الداخلي وإصلاح النفس وتزكيتها من الأمور التي دعانا إليها القرآن الكريم، يقول الله عز وجل:
إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ – سورة الرعد: 11.
رمضان والتقوى
التقوى أعظم ثمرات الصيام، يقول الله عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. سورة البقرة: 183.
وحقيقة التقوى تظهر في علاقة العبد وربه متمثلة في الخشية والمراقبة وأداء الواجبات والبعد عن المحرمات، وتظهر في علاقة الفرد المسلم بمن حوله، فالمتقي حقيقة يحسن إلى الناس ولا يظلمهم أو ينتقص من حقوقهم.
وآثار التقوى لا بد من أن تظهر على الفرد والمجتمع، وهذه الآثار تتمثل في تغيير نمط حياة الأفراد، وتخليهم عن السلوكيات الخاطئة التي اعتادوا عليها طيلة العام، وتتمثل في تماسك المجتمع وتراحم أفراده فيما بينهم.
والتقوى تتحقق بالاستقامة وضبط النفس والتحكم في الشهوات والبعد عن الشبهات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“الصِّيامُ جُنَّةٌ إذا كانَ أحدُكُم صائمًا فلا يرفُثْ، ولا يجهلْ، فإن امرؤٌ قاتلَهُ، أو شاتمَهُ، فليقُلْ: إنِّي صائمٌ، إنِّي صائمٌ. – صحيح أبي داود: 2363.”
وأثر التقوى يظهر في الأعمال الصالحة التي تنفع الناس، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ، شهرًا، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ”. السلسة الصحيحة: 906. ومن آثار التقوى حسن الخلق والرفق في التعامل مع الخلق، وصاحب الخلق الحسن في أعلى المراتب، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “أقربُكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ أحسنُكم خُلُقًا”. صحيح الجامع: 1176.
ومن صور التغيير في حياة المسلم المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة وبخاصة صلاة الفجر التي يتكاسل الكثير من المسلمين عن أدائها في المسجد، فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما يرويه عن رب العزة “قال اللهُ عزَّ وجلَّ: افْتَرَضْتُ على أمتِكَ خمسَ صَلَوَاتٍ، وعهدْتُ عِندي عَهْدًا: أنَّهُ مَنْ حافَظَ عليهِنَّ لِوَقْتِهنَّ؛ أَدْخَلْتُهُ الجنةَ، ومَنْ لمْ يُحافِظْ عليهِنَّ؛ فلا عَهْدَ لهُ عِندي”. السلسلة الصحيحة: 4033.
ومن صور التغيير التي يحدثها الصيام في حياة المسلم بعد رمضان أن يكون له ورد يومي من القرآن الكريم حتى ولو كان يسيرًا، حتى يظل المسلم على صلة بكتاب الله عز وجل ولا يكون هاجرًا له، يقول الله تعالى {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} سورة الفرقان: 30. وشهر رمضان مناسبة لتغيير نمط الحياة المعاصر الذي ينزع نحو الفردية، وهو وسيلة لعلاج القطيعة التي تعاني منها المجتمعات اليوم، لأنه يوفر فرصًا أكثر للتلاقي بين أفراد العائلة وبين أفراد المجتمع، فالجميع حاضرون وقت الإفطار ووقت السحور، والجميع حاضرون في أوقات الصلوات وبخاصة صلاة العشاء والتراويح وصلاة الفجر، فلنستغل هذا الشهر المبارك في التخلص من عاداتنا السيئة وممارساتنا السلبية، ونضع لأنفسنا خطة تسمو بها نفوسنا، وتقربنا من الله عز وجل.
Related Posts