تحمل المفاوضات الجارية حول غزة جملة من التعقيدات التي تجعل من إتمام الصفقة أو التسوية المنتظرة أمرا بالغ الصعوبة، خصوصا أن العدوان المستمر على القطاع منذ الثامن من أكتوبر 2023 إثر عملية طوفان الأقصى التي ألحقت فيها المقاومة الفلسطينية هزيمة قاسية بإسرائيل، تحول الى حرب مفتوحة لا هوادة فيها ولا تنازلات حيث يدرك جميع المعنيين بها بأن من يتراجع أو يتنازل ينتهي.
لا شك في أن العدو الاسرائيلي بات في وضع لا يُحسد عليه، فهو لم يحقق أي من أهداف الحرب التي أعلنها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، فلا هو نجح في القضاء على حركة حماس، ولا في إستعادة الأسرى الاسرائيليين بالقوة، ولا في تهجير الفلسطينيين الذين بدأوا يعودون الى المناطق التي ينسحب منها الجنود الصهاينة.
واللافت، أن ما تحاول إسرائيل ترويجه في الاعلام المحسوب عليها أو المتعاطف معها أو المأجور لصالحها، تدحضه المقاومة في الميدان، حيث أعلنت أنها إحتلت 80 بالمئة من قطاع غزة، ليتبين أن جيشها يعجز عن تثبيت العديد من النقاط بشكل نهائي، كما أكدت أنها إكتشفت الأنفاق وعملت على إغراقها، لكن تحركات المقاومين وخروجهم وإستهدافهم الجنود والآليات وتصوير العمليات كانت كلها كفيلة بتكذيب هذه الادعاءات، فضلا عن حسمها موضوع إطلاق الصواريخ من شمال غزة، ليفاجئ المقاومون المجتمع الاسرائيلي والعالم برمته بإطلاق صليات من الصواريخ بإتجاه تل أبيب قبل أيام قليلة.
ومما يزيد الطين بلة لدى الاسرائيلي، هو الخلافات والانقسامات الداخلية، حيث تنتظر المعارضة الفرصة السانحة للانقضاض على نتنياهو، وينتظر كثير من الاسرائيليين محاسبة نتيناهو على الفساد والهدر ومحاكمته بقسوة على مسؤوليته في حصول أكبر إخفاق عسكري إسرائيلي في تاريخ الصراع، فضلا عن الضغوط الكبيرة التي ترخي بثقلها عليه وعلى حكومته وتتمحور حول الأسرى الاسرائيليين لدى حماس، وقضية النزوح سواء من غلاف غزة (نحو 50 ألفا) ومن المستوطنات الشمالية (نحو 120 ألفا) والشلل الاقتصادي التام، وتوقف كل مؤسسات الكيان ومرافقه الحيوية، والخسائر المالية التي تقدر بعشرات مليارات الدولارات.
كل ذلك، يدفع إسرائيل وداعميها الى التفتيش عن نصر سياسي وهمي بعدما فشل جيشها في تحقيق أي إنجاز ميداني، ولا يمكن الوصول الى ذلك إلا عبر المفاوضات الجارية حاليا والتي وُضعت خطوطها العريضة في لقاء باريس وتتم مناقشتها مع قيادة حماس للوصول الى قواسم مشتركة تفضي الى صفقة توقف العدوان.
وكان من المفترض أن يزور وفد من قيادة حماس جمهورية مصر العربية لوضع اللمسات الأخيرة على الصفقة، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن، ما يؤكد أن بنودها لم تنضج بعد لا سيما هدنة الشهر ونصف الشهر، خصوصا في ظل رفض حركة حماس أن تؤشر هذه البنود الى نصر إسرائيلي أو الى هزيمة المقاومة التي ما تزال قادرة على الصمود وإلحاق الخسائر الفادحة بالعدو.
لذلك، فإن حماس ما تزال تتمسك بشروطها الأساسية وهي وقف إطلاق النار بشكل نهائي وشامل مع ضمانات غربية وعربية، إنسحاب إسرائيل من قطاع غزة، الافراج عن القادة من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، الالتزام بإعادة الاعمار وإغراق غزة بالمساعدات المختلفة.
وتبدي حماس إنفتاحا كاملا حول المفاوضات الجارية لكن تحت سقف شروطها لا سيما وقف إطلاق النار بشكل كامل والانسحاب، خصوصا أن أي إتفاق قد يحصل سيفقد حماس أهم ورقة حصلت عليها في تاريخها وهي الأسرى، فماذا يضمن لحماس ولأبناء غزة في حال القبول بهدنة الشهر والنصف وإجراء عملية تبادل الأسرى بأن لا تعاود إسرائيل عدوانها؟.
مع هذا الواقع، بدأت لعبة عض الأصابع، حيث تحاول إسرائيل الايحاء بموافقتها على بنود الصفقة، وتحميل حماس مسؤولية تفشيلها، فيما تنتظر حماس إعلان الكابينيت عن موقفه رسميا لتبني على الشيء مقتضاه، في وقت لم يعد هناك المزيد من الوقت لمصلحة إسرائيل، في حين أن التضحيات والدماء والخسائر التي لحقت بغزة التي دفعت أكثر من مئة ألف شهيد وجريح ومفقود يجعل حركة حماس أكثر تمسكا بشروطها خصوصا أنه لم يعد لدى المقاومة وغزة وأهلها ما يخسرونه.
Related Posts