“إن جهود العميد قاآني، قائد “قوة القدس” في “حرس الثورة الإسلامية”، جديرة بالثناء والتقدير، ويجب أن يستمر خط التعزيز لجبهة المقاومة”. هذه الشهادة من مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، بحق العميد إسماعيل قاآني، نشرها عبر حسابه في منصة “اكس”، في 31 كانون الاول 2023، وهي بقدرِ ما فيها من دعم لجهود قاآني، إلا أنها تنبئُ عن تباين في وجهات النظر داخل “الحرس الثوري” الذي يعتقد بعض جنرالاته أن خليفة القائد السابق لـ”فيلق القدس” قاسم سليماني، ليس بذات القدرة على إدارة الذراع الخارجية لـ”الحرس الثوري” الأكثر تأثيراً في منطقة الشرق الأوسط.
قاسم سليماني الذي اغتالته الولايات المتحدة الأميركية في 3 يناير 2020، يختلف في شخصيته عن إسماعيل قاآني، فالأول يتمتع بشخصية مؤثرة قريبة من قيادات الميليشيات التي كان يديرها، بل حتى المقاتلين المنتمين لها، فضلاً عن إدارته بطريقة فيها مزيج من السياسة والأمن والاستخبارات والعلاقات الشخصية، لشبكة وكلاء إيران في الخارج، وهي صفات جعلت مهمة خليفته أكثر صعوبة، لأن العميد قاآني بحسب بعض المصادر، أشبه بالشخصية الإدارية التنفيذية العملانية، التي قد لا تظهر اهتماماً كبيراً للمشاعر الشخصية في بناء العلاقات!
بالعودة إلى تغريدة المرشد الأعلى خامنئي، وتحديداً عبر حسابه باللغة الإنجليزية، فمن اللافت أنه أرفق معها صورة للعميد قاآني، يظهر فيها معه رئيس المجلس السياسي لـ”حركة حماس” إسماعيل هنية، والأمين العام لـ”حركة الجهاد الإسلامي” في فلسطين زياد نخالة، والأمين العام لـ”حركة النجباء” العراقية أكرم الكعبي.
ليس أمراً اعتباطياً اختيار هذه الصورة، التي يظهر فيها الكعبي، وهو شخصية مركزية فيما يعرف بـ”محور المقاومة”، وأيضاً هو قيادي جمعته علاقات وثيقة مع قائد “فيلق القدس” السابق قاسم سليماني، والقائد الحالي إسماعيل قاآني، حيث يظهر في صور عدة له مع الشخصيتين.
خامنئي سعى من خلال إبراز الكعبي إلى إعطائه رمزية عراقية خاصة، وبذلك يكون بمثابة “حسن نصر الله” العراق، مع لحاظ أن أكرم الكعبي لديه علاقات مباشرة وتنسيق مع الأمين العام لـ”حزب الله” لبنان حسن نصر الله، كما أنه التقى في مناسبات عدة المرشد خامنئي.
ما تقدم قد يقود لفهم مكانة “حركة النجباء”، التي أعلن أمينها العام الشيخ أكرم الكعبي، عبر حسابه بمنصة “اكس”، في 2 شباط الجاري، أن “المقاومة الإسلامية في العراق بفصائلها الأخرى مستمرة في قرارها حتى تحقيق مطالبها”، مؤكداً “لن نتوقف حتى تحقيق أمرين، هما إيقاف العمليات على غزة، وانسحاب الاحتلال الأميركي من العراق”.
بيانُ “النجباء” جاء بعد أن أعلنت “كتائب حزب الله” العراق، تعليق عملياتها ضد “القوات الأميركية”، وذلك في بيان صدر باسم أمينها العام أبو حسين الحميداوي، جاء فيه “إننا إذ نعلن تعليق العمليات العسكرية والأمنية على قوات الاحتلال -دفعا لإحراج الحكومة العراقية- سنبقى ندافع عن أهلنا في غزة بطرق أخرى، ونوصي مجاهدي كتائب حزب الله الأحرار الشجعان بالدفاع السلبي (مؤقتاً)، إن حصل أي عمل أميركي عدائي تجاههم”.
الأمين العام لـ”حركة النجباء” أكرم الكعبي، قال في بيانه “نحترم ونقدر قرار كتائب حزب الله، ونثمن تضحيتها في هذه الظروف، إذ سيثبت في المستقبل أنّ قراره اتخذه بشجاعة ونكران ذات”.
مواصلة العمل العسكري من “النجباء”، جاءت رغم أن الحركة وفي بيانها تعليقاً على الهجوم الذي استهدف “البرج 22″ بـ”مخيم الركبان” في كانون الثاني 2023، لم تتبنَّ العملية، وإنما تحدثت عنها بشكل عام محذرة “القوات الأميركية” بأن “موازنة الردع بأيدي المقاومين الذين يسخرون من تهديداته”، مضيفة “المقاومة ليست ترفاً أو نزوة مؤقتة، بل هي عقيدة ثابتة وراسخة لا ترهبها المتغيرات ولا التهديدات”.
هذا الموقف العام من “النجباء”، تم تطويره بشكل سريع بُعيد تراجع “كتائب حزب الله” خطوة إلى الوراء، وكأن “حركة النجباء” تريد أن تقدم نفسها كـ”رأس حربة” لـ”المقاومة الإسلامية” في العراق، وتستغل الموقع لبناء مزيد من القوة والنفوذ، خصوصاً أن بعض المراقبين والخبراء يعتقدون أن قرب “النجباء” من القيادة الإيرانية جعلها ليست مجرد فصيل حليف لها، بل ينظرُ لها الكثيرون بوصفها جزءاً من “فيلق القدس”!
“هنالك تمايز بين موقف كتائب حزب الله وحركة النجباء”، يقول لـ”العربية.نت” الباحث المختص في الشؤون الإيرانية حسن فحص، مبيناً أنه “في الوقت الذي أوقفت فيه الأولى مواقعها الإعلامية على شبكات التواصل الاجتماعي، أكدت حركة النجباء استمراريتها”.
فحص يرى أنه “قد تكون الرسالة من وراء الاستمرار في العمل العسكري، أن هنالك ضغطا على واشنطن، كي لا تستهدف المقرات التابعة للحرس الثوري والفصائل المسلحة في سوريا والعراق، أو لكي تضغط على إسرائيل لوقف استهدافها قيادات فيلق القدس في سوريا”.
من جهته، يرى الباحث المختص في “الميليشيات العراقية” حمدي مالك، أن “الفصائل العراقية في حالة تخبط خلال هذه المرحلة الحرجة، بعد مقتل 3 جنود أميركيين”.
مالك الذي تحدثت معه “العربية.نت”، يعتقد أن “حركة النجباء وبدعم من فيلق القدس، تود استغلال هذه الفرصة لتقديم نفسها كقوة أساسية في محور المقاومة وأكثر تأثيراً من بقية الفصائل، خصوصاً أن هنالك خلافات داخل البيت الثوري، وهنالك تباينات وتنافس بينها وبين كتائب حزب الله”، رغم أن هذه الخلافات بقيت ضمن “تنافس الأخوة” ولم تبرز إلى العلن بشكل فاقع، خلا بعض المنشورات الصورتية أو المصورة التي يدعي فيها كل فصيل أسبقيته في “المقاومة”، حسب تعبيره!
الباحث حسن فحص، يعتقد أن سياسة “العصا والجزرة” التي كانت تمارسها الإدارة الأميركية، تمارسها إيران الآن، فهي من جهة تعلن أنها لا ترغب في التصعيد، ومن جهة يقوم عدد من وكلائها بتنفيذ عمليات مسلحة، ضمن سقوف مضبوطة كما في السابق، أي استهداف القواعد الأميركية دون وقوع ضحايا، على عكس العملية التي قامت بها “كتائب حزب الله” وأدت إلى مقتل 3 عسكريين أميركيين.
مصادر خاصة تحدثت معها “العربية.نت”، أشارت إلى أن الولايات المتحدة مارست ضغوطاً كبيرة على الحكومة العراقية ووضعت أمامها خيارات محدودة جداً، تتمثل في أن تمارس الحكومة العراقية الضغط على الفصائل كي توقف العمليات العسكرية، وتحديداً “كتائب حزب الله” لأنها جزء من “الحشد الشعبي”، والأخير نظامياً وفق القانون العراقي تشكيلٌ عسكري تابع لقيادة رئيس الوزراء، وإذا لم تستطع حكومة السيد محمد شياع السوداني وضع حد لذلك، فإنه سيطلبُ منها وضع “كتائب حزب الله” ضمن قائمة الإرهاب العراقية، وهذا يستوجب إخراجها من “الحشد الشعبي”، أو سوف يتم تصنيف “الحشد” كـ”منظمة إرهابية”، وهذا ما دفع “الكتائب” في نهاية المطاف إلى إعلانها تعليق عملياتها.
الصحافية فرناز فصيحي، نشرت تقريراً في صحيفة “نيويورك تايمز”، أشارت فيه إلى أن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، أصدر أوامر واضحة بـ”تجنّب حرب مباشرة مع الولايات المتحدة وإبعاد إيران عن تصرّفات الجماعة التي قتلت أميركيين، ولكن الاستعداد للرد إذا ضربت الولايات المتحدة إيران”، حيث “أخبر خامنئي المقرّبين منه أنه يعارض الحرب مع الولايات المتحدة، لأنّ الحفاظ على قبضة النظام الإسلامي على السلطة هو الأولوية القصوى”، بحسب ما جاء في التقرير.
موقف “حركة النجباء” أتى ليتوافق مع توجهات المرشد الأعلى خامنئي، الذي وعبر “فيلق القدس” يسعى لأن يقدم سياسة فيها مرونة وخشونة في ذات الوقت، حيث أعلنت “كتائب حزب الله” تعليق عمليتها، وفي ذلك رسالة لأميركا برغبة إيران في التهدئة، وفي ذات الوقت أعلنت “حركة النجباء” مواصلة العمليات وإنما ضمن “قواعد الاشتباك” دون أن تتجاوز الخطوط المرسومة كما حدث في الهجوم على “البرج 22″، وعبر هذا الإعلان تشير طهران إلى أنها لن تسلم جميع عناصر القوة التي تمتلكها، في مقايضة وتفاوض سياسي – أمني بين واشنطن وطهران يتم عبر مجموعات والعمليات العسكرية، ويأتي مكملاً للحوار غير المباشر الذي يجري من خلال وسطاء دوليين وإقليميين عدة.
Related Posts