عاد ملف رئاسة الجمهورية بقوة الى جدول أعمال الموفدين الغربيين والعرب الذين إقتصرت مهامهم منذ عملية طوفان الأقصى على الطلب من المسؤولين اللبنانيين ضبط النفس والحد من التصعيد في الجنوب، والحؤول دون إنزلاق لبنان الى الحرب مع إسرائيل.
يبدو واضحا أنه لم يعد من الممكن فصل ملفيّ الحرب والرئاسة عن بعضهما البعض، خصوصا أن الموفدين يدركون بأن أي توافق جديد على تطبيق القرار 1701 عبر الحلول الدبلوماسية يتطلب وجود رئيس للجمهورية، وهذا ما أكده الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في زيارته الأخيرة حيث تشير المعطيات الى أنه بدأ العمل على خطي إنتخاب الرئيس وتطبيق القرار.
في غضون ذلك يستمر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان والموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني في مهمة الاستطلاع التي يقومان بها ويرصدان من خلالها تطور مواقف الكتل النيابية التي تؤكد المصادر أنها ما تزال على حالها ولم يطرأ عليها أي تغيير، ما إستدعى تدخلا سعوديا أميركيا يترجم بالحركة الناشطة للسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، وبالعودة المرتقبة للموفد الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت حاملا المزيد من الاقتراحات القابلة للدرس.
وإذا كان إنتخاب الرئيس يتطلب التهدئة في الجنوب، وهذه التهدئة مرتبطة بوقف العدوان الاسرائيلي على غزة، فإن نتائج الميدان ستكون بعيدة كل البعد عن التأثير في الملف الرئاسي، خصوصا وبحسب المعلومات أن حزب الله لن يقبل بمقايضة مواقفه أو دماء شهدائه وجرحاه برئاسة الجمهورية، وهو يحرص على الفصل التام بين الميدان وما يحمل من نتائج عسكرية يمكن إستثمارها في المواجهة مع العدو، وبين السياسة التي تؤسس لانتخاب رئيس للجمهورية، كما يدرك بأنه قادر على التحكم في الميدان، كما هو قادر على التأثير في السياسة ومن ضمنه الاستحقاق الرئاسي.
من هنا، فإن المعنيين بالملف الرئاسي يواجهون اليوم سلسلة ضغوط على صعيد الانقسامات السياسية والوضع الأمني الداخلي وعلى الحدود، والأزمات الاقتصادية والعسكرية من إقرار الموازنة الى تعيين رئيس الأركان وعضوين في المجلس العسكري، فضلا عن مواكبة الحركة الدولية والطروحات التي يقدمها الموفدون والأفخاخ الكثيرة التي تتضمنها.
هذا الواقع، يؤدي في كل مرة الى تأرجح الاستحقاق بين الجدية في إتمامه وعدمها، وبالرغم من كل المخاطر التي تحيط بلبنان، ما تزال هناك بعض الكتل النيابية تضمر غير ما تعلن، وتضع العصي في دواليب القطار المتجه الى قصر بعبدا، فتمتنع عن تسمية أي مرشح، وترفض التوافق مع التيارات السياسية الأخرى، وتقدم طموحاتها وأنانياتها على المصلحة الوطنية العليا.
لذلك، فإن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ما تزال مبادرة حوار الأيام السبعة والجلسات المفتوحة التي طرحها صالحة للتبني، يُبدي أمام زواره إستعداده للانفتاح على كل الطروحات التي تقدمها الكتل النيابية، ويؤكد حرصه على مدّ يد العون الى ممثلي الخماسية والتعاون معهم الى أبعد حدود، وبالتالي القبول بأي صيغة تشاور أو نقاش في الاستحقاق الرئاسي، لأنه وبحسب مصادر عين التينة لـ”سفير الشمال”، فإن الرئيس بري في ظل هذه الظروف العصيبة التي يشهدها لبنان على كل صعيد يرى من الضروري أن يجلس المعنيون بالملف الرئاسي مع بعضهم البعض تحت أي عنوان، من أجل إدارة الخلاف بالدرجة الأولى والتفتيش عن القواسم المشتركة التي يمكن أن تساهم في الوصول الى نتيجة إيجابية.
Related Posts