بين المهمات الوطنية الكبرى.. والتفتيش عن مفتاح الحرب والسلم!.. غسان ريفي

يستطيع الرئيس نجيب ميقاتي كرئيس لحكومة تصريف الأعمال، أن يقول لكل من يهاجمه ومن يتجنى عليه ويصوب سهامه نحوه سواء لتصفية حسابات شخصية أو من منطلق الحسد، أن “حدود مسؤوليتي هي تصريف الأعمال، وهي حدود لا تحملني أي مسؤولية وعلى الجميع أن يعمل على نزع شوكه بيده وأن يواجه تداعيات ما يحصل في المنطقة”.

لكن الرجل وفي هذه الظروف المفصلية والبالغة الدقة والخطورة والتي تحمل تهديدات كيانية وفي مرحلة المنطقة فيها على موعد مع متغيرات جوهرية هائلة، أبى إلا أن يحمل على كاهله همّ لبنان بكل مكوناته وتناقضاته ومشاربه وأن يحاول التوفيق بين كل التناقضات الحاصلة داخليا وخارجيا.

لا يريد نجيب ميقاتي أن يُستدرج لبنان الى حرب، كما لا يستطيع أن يلتزم الصمت حيال العدوان الوحشي المجرم على غزة وأهلها والاستفزازات الاسرائيلية وإستهداف المدنيين في الجنوب، فلا إسلامه ولا طرابلسيته ولا وطنيته ولا عروبته تسمح له بذلك، وبالتالي لا يمكن لميقاتي إلا أن يكون في موقع العداء مع إسرائيل.

منذ أن خرج الرئيس ميشال عون من قصر بعبدا والرئيس ميقاتي يسير في حقل ألغام، ينتقل فيه من لغم الى لغم، من الانهيار المالي الى الجمود الاقتصادي الى الفراغ الرئاسي، الى الشلل المؤسساتي، الى الأزمات الاجتماعية والانسانية والصحية والتربوية والأمنية، الى محاولات التعطيل، إضافة الى الرهانات السياسية للبعض، والتناقضات والافتراءات والاستهدافات، وهو مع كل ذلك يحاول مقاربة الأمور برؤية وطنية جامعة تأخذ بعين الاعتبار الواقع السياسي وتناقضاته ويعمل بشكل دؤوب لقيادة سفينة لبنان الى بر الأمان.

ثمة هوة سحيقة بين الموقع الذي يعمل فيه الرئيس ميقاتي والأهداف التي يتطلع إليها واللقاءات التي يقوم بها مع صناع القرار في العالم من أجل تجنيب لبنان الحرب، وبين النكد السياسي واللعب على الحبال الذي يمارسه البعض من أصحاب “عبقرية الفشل” الذين هالهم الحضور الكبير لرئيس الحكومة في المحافل العالمية، وإكتسابه المزيد من الاحترام الدولي والإقليمي والمزيد من التأييد الشعبي في لبنان بفعل السلوك السياسي المتوازن الذي يمارسه.

ففي غمرة المخاطر والتهديدات بدأ بعض الخبراء يتحدثون عن قرب تماثل لبنان للتعافي، ومن مؤتمر دافوس كانت تطمينات ميقاتي للمودعين بالبدء قريبا بإعادة ودائعهم، ورغم كل هذا التهويل ما يزال البلد قائما وحاضرا ومستقرا والوضع الأمني فيه جيد، والحكومة تجتمع وتعمل على معالجة قضايا وأزمات المواطنين، ما شجع اللجنة الخماسية رغم الحرب على إستئناف مساعيها الهادفة الى إتمام الاستحقاق الرئاسي وإنتخاب رئيس للجمهورية.

ليس ذنب نجيب ميقاتي أن الأحداث الكبيرة جعلت حضور كثيرين يتلاشى عن المشهد السياسي اللبناني والاقليمي والدولي، وخصوصا أولئك الذين لا مشروع كبير لديهم ولا يملكون مقاربات كبرى، كون المصالح الوطنية ليست في حساباتهم بل هي محصورة في نكايات الزواريب والأزقة وتسجيل النقاط وتصفية الحسابات، لذلك فإنها في هذه الاستحقاقات الكبرى التي تحتاج الى رجال دولة من الطراز الاستثنائي، لم تعد موجودة وتراجع حجمها وحضورها الى حدود العدم مهما حاولت أن ترفع الصوت إستفزازا أو إفتراء تجاه الحكومة، بينما تبلع ألسنتها حيال ما يتعرض له لبنان من إعتداءات إسرائيلية.

يدرك ميقاتي ما يقوم به تماما، وهو يخوض “مقاومة سياسية” حقيقية تتمثل بثباته على مواقفه التي لم تتغير منذ بداية العدوان على غزة وعلى لبنان، وتؤكد في الوقت نفسه أن الرجل يقف على أرضية صلبة، ويضع في أولى أولوياته حماية لبنان من كأس الحرب، من خلال التأكيد الدائم على الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والقرار 1701 والانسجام مع الموقف الوطني العروبي ضد ما تقوم به إسرائيل، وإذا كان ذلك جعل من نجيب ميقاتي محورا في الحراك الاقليمي والدولي، فعلى المتضررين والطامحين والمنزعجين أن يشغلوا أنفسهم هذه الفترة في التفتيش عن مفتاح الحرب والسلم!..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal