مئة يوم من الإبادة في غزة، اكثر من 24 ألف شهيد وما يفوق الـ 60 ألف مصاب، ناهيك عن الدمار والجوع وتفشي الأوبئة وفقدان الادوية. كل هذا لم يحرك ساكناً لدى كثير من هذا العالم، وكأنه اعتاد مشاهد القتل والدمار او كأنها لا تعنيه. وحدها جنوب افريقيا تجرأت، فتقدمت بدعوى امام محكمة العدل الدولية في لاهاي لمحاكمة العدو الإسرائيلي بتهمة الإبادة الجماعية.
فهل ستتمكن محكمة العدل الدولية من الزام الاحتلال الإسرائيلي بوقف الإبادة في غزة؟
بادئ ذي بدء وللتذكير، فإن محكمة العدل الدولية هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة، وتأُسست عام 1945، وبدأت أعمالها في العام اللاحق، وحلت محل المحكمة الدائمة للعدالة الدولية.
لمحكمة العدل الدولية نشاط قضائي واسع، فتفصل طبقًا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، كما تمارس وظيفةً استشارية من خلال إصدار الفتاوى للجهات التي تحال إليها من هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.
تتألف المحكمة من 15 قاضياً، تنتخبهم الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، لمدة تسع سنوات، وتكون احكامها نهائية وغير قابلة للطعن الا انه لا توجد أي وسيلة لتنفيذها أو الإلزام باحترامها.
وفي سياق الدعوى المقدمة من جنوب افريقيا ضد العدو الاسرائيلي في 29 كانون الاول الماضي بتهمة ارتكاب اعمال ابادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وقد وثقت الجهة المدعية في 84 صفحة قتل الفلسطينيين ناهيك عن ما اعتبرته الفشل الاسرائيلي في تقديم الأغذية الأساسية والمياه والأدوية والوقود وتوفير الملاجئ والمساعدات الإنسانية الضرورية لسكان غزة.
هذا واستمعت المحكمة في اولى جلساتها الخميس المنصرم الى مرافعة محامييّ جنوب افريقيا الذين رأوا ان “لدى المسؤولين على جميع المستويات السياسية والعسكرية في اسرائيل النية في ارتكاب ابادة جماعية بحق الفلسطينيين”. فيما خصصت اليوم الثاني للاستماع الى الجهة المدعى عليها، والتي استهزأ رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بمحكمة العدل وعملها قائلاً: “لن يوقفنا احد، لا لاهاي ولا محور الشر ولا احد”.
وبحسب إجراءات المحكمة المتبعة، فإنها بعد جلستيّ الاستماع ستبحث فيما اذا كانت صاحبة الاختصاص القضائي للنظر في الدعوى، وما إذا كانت الأفعال التي تتهم بها إسرائيل تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية. وفي حال كان الرد ايجابياً، فعندها تتهم هيئة المحكمة المكونة من 17 قاضيا (15 من الاعضاء الاصيلون وقاضيان يمثلان جهتي الشكوى) إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة وتحدد مواعيد بدء المحاكمة، كما تواريخ البت في التدابير المؤقتة التي طلبتها جنوب أفريقيا من أجل حماية الفلسطينيين، كوقف العمليات العسكرية والسماح بعودة النازحين “قسريا” والإدخال الفوري للمساعدات.
وفي وقت يدرك فيه العدو الاسرائيلي ان محكمة العدل الدولية لا تتمتع بصلاحيات تنفيذية، غير ان تل ابيب تتعامل بجدية كبيرة مع القضية المرفوعة ضدها وتعتبرها “تحدياً حقيقياً” بحسب اوساط مطلعة خاصة وان اي اجراء قد يصدر عن المحكمة مثل الأمر بوقف الحرب فورا، من شأنه أن يُثبت أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية، مما يتسبب في الاضرار بسمعتها الدولية، اضافة الى زيادة عزلتها والمقاطعة الدولية لها، ناهيك عن امكانية تعرضها لعقوبات عسكرية واقتصادية، وحتى لقطع علاقات مع بعض الدول.
رغم كل ذلك، يوحي التعنت الاسرائيلي بأن حكومة بنيامين نتنياهو ورغم الانقسامات الكبيرة التي بدأت تظهر بين اعضائها، لن تلتزم بأي قرار يصدر عن محكمة العدل الدولية، وستستمر في اجرامها. والى ان يصدر الحكم النهائي، يبقى الرهان على الميدان الذي ترجح كفته نحو انتصار مبين للفلسطينيين، كيف لا وهم اصحاب الأرض والحق.
Related Posts