ما يمكن إستنتاجه من زيارات كل الموفدين الأجانب الذين يأتون الى لبنان للبحث مع رئيسيّ مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزيف عون في إمكانية إيجاد مخارج لوقف التصعيد على الحدود اللبنانية ـ الفلسطينية، يؤكد بما لا يدعو الى الشك بأن إسرائيل في مأزق وتفتش عن كيفية الخروج منه بأقل الخسائر الممكنة.
من الواضح، أن إسرائيل لم تعد تمتلك أي خطة عسكرية في غزة، فهي قتلت ما يزيد عن 30 ألفا من المدنيين معظمهم من الأطفال والنساء، ودمرت كل ما صادفته طائراتها وصواريخها، وتسببت في تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين، وعطلت كل أوجه الحياة في القطاع الذي يعاني أزمات إلإنسانية وصحية وإجتماعية غير مسبوقة، لكنها بالرغم من كل ذلك، لم تحقق أي هدف من الأهداف التي أعلنتها للحرب، فالأسرى ما زالوا في سجون المقاومة البعيدة عن الرصد الاسرائيلي، وحركة حماس ما تزال بكامل جهوزيتها للتصدي والمواجهة وهي تلحق الأضرار الجسيمة بالعدو في جنوده وآلياته ونقاط تمركزه، والفلسطينيون رغم التشريد والمعاناة يصرون على التمسك بأرضهم مهما بلغت التضحيات.
على الجبهة الشمالية، ثمة ما هو أخطر، فالمقاومة الاسلامية في لبنان هجّرت نحو 150 ألفا من المستوطنين الذين نزحوا الى العمق الاسرائيلي وباتوا يشكلون عبئا كبيرا على الحكومة والمجتمع، والعدوان على البلدات الجنوبية والاغتيالات ترد عليها المقاومة بعمليات مؤلمة من نماذج قاعدة “ميرون” وقاعدة “دادو” والقصف المركز أمس على كريات شمونة.
تدرك حكومة الاحتلال أن الحرب التي ترغب بشنها على لبنان بهدف إطالة عمرها السياسي وعمر رئيسها بنيامين نتنياهو، لا تحظى بموافقة الولايات المتحدة الأميركية ولا الدول الغربية التي سقط القناع الاسرائيلي أمامها ليكشف عن وجه قبيح مجرم يتوسل الدماء والابادة الجماعية للحفاظ على وجوده، وهذا ما تواجهه اليوم في محكمة العدل الدولية بدعوى من جنوب أفريقيا.
لا شك في أن أي حرب قد تشنها إسرائيل من شأنها أن تؤدي الى دمار هائل في الجنوب وربما في بعض المناطق اللبنانية كما حصل في العام 2006، لكنها أيضا ستعطي المستوطنين النازحين إقامة دائمة في الأماكن التي نزحوا إليها نتيجة تسوية كل المستوطنات القريبة من الحدود والبعيدة عنها بالأرض، فضلا عن أن رسالتيّ قصف “ميرون” و”دادو” أكدتا أن المقاومة تمتلك الكثير من المعلومات والمعطيات والاحداثيات التي تضع كل القواعد والمراكز العسكرية الصهيونية تحت مرمى نيرانها وهو أمر لا تحتمله إسرائيل، ولا يمكن لجيشها أن يصمد أمامه، خصوصا أنه بات عاجزا عن خوض حربين في وقت واحد أو خوض حربين متتاليتين نتيجة الوهن الذي أصابه في غزة.
وقد جاءت زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين أمس، لتؤكد أن لا مصلحة لأحد في إستمرار التصعيد، وأن الجانب الاسرائيلي لا يريد الحرب بل يفتش عن الحل الدبلوماسي، وقد توافق كلامه مع ما كشفت عنه وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بايربوك خلال لقائها مع الرئيس نجيب ميقاتي أنها لمست خلال زيارتها تل أبيب أن إسرائيل لا تريد الحرب بل هي ترغب بالحل الدبلوماسي وتحتاج الى إستعادة الأسرى وإعادة النازحين الى المستوطنات الشمالية ليعيشوا بأمان.
وتشير المعلومات الى أن هوكشتاين حمل معه سلسلة من الاقتراحات حول تطبيق القرار 1701، أو تعديله، وتهدئة الجبهة الجنوبية، ووضع النقاط المتنازع عليها من النقاط الـ13 على بساط البحث والتوافق على ما أمكن منها لتحقيق هدنة جديدة طويلة الأمد، مشددا على أن الوقت يضغط وهو ليس في مصلحة أحد، وأن الرئيس الأميركي جو بايدن لا يريد الحرب.
وتضيف المعلومات الى أن هوكشتاين سمع موقفا لبنانيا موحدا، بأن لا تفاوض ولا نقاش إلا بوقف العدوان على غزة، وأن ما يحصل على الحدود اللبنانية الفلسطينية هو إرتداد لما تشهده فلسطين، وأن لبنان ملتزم بكل قرارات الشرعية الدولية وخصوصا القرار 1701، لكن المطلوب اليوم هو أن تلتزم به إسرائيل وأن توقف إستفزازاتها وخروقاتها التي بلغت أكثر من 35 ألف خرقا منذ وضع هذا القرار موضع التنفيذ.
Related Posts